responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 423

و احتجبت عن علم ذلك بولدها فالمنة لولدها عليها بالسببية لا لها و وقعت الرحمة بالولد تبعا بخلاف رحمة الملك فإنها عن عز و غنى عن هذا المرحوم الخاص من رعاياه و كذلك إذا وقع الاسم الإلهي بين اسمين إلهيين مثل قوله هُوَ اللّٰهُ الْخٰالِقُ الْبٰارِئُ فوقع الاسم الخالق بين الاسم اللّٰه و الاسم البارئ و كذلك الاسم اَلْبٰارِئُ بين اَلْخٰالِقُ و اَلْمُصَوِّرُ و هذا كثير فالخالق صفة لله و موصوف للباري فعلى هذا الأسلوب تجري تلاوة العارفين في الكتابين في القرآن و كتاب العالم بأسره فإنه كتاب مسطور و رقه المنشور : الذي هو فيه الوجود و كذلك تجري أذكارهم و هكذا في الأكوان إذا وقع كون بين كونين يكون للأول ابنا و للثاني بعده أبا في الذي يفهم من ذلك كان ما كان فلهذا

قال اللّٰه في قول العبد بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ ذكرني عبدي و ما قيد هذا الذكر بشيء لاختلاف أحوال الذاكرين أعني البواعث لذكرهم فذاكر تبعثه الرغبة و ذاكر تبعثه الرهبة و ذاكر يبعثه التعظيم و الإجلال فأجاب الحق على أدنى مراتب العالم و هو الذي يتلو بلسانه و لا يفهم بقلبه لأنه لم يتدبر ما قاله إذا كان التالي عالما باللسان و لا ما ذكره فإن تدبر تلاوته أو ذكره كانت إجابة الحق له بحسب ما حصل في نفسه من العلم بما تلاه فتدبر ما نصصناه لك

[الحمد لله رب العالمين بلسان العارفين]

ثم قال

قال اللّٰه تعالى فإذا قال العبد اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ في الصلاة يقول اللّٰه حمدني عبدي فيقول العارف الحمد لله أي عواقب الثناء ترجع إلى اللّٰه و معنى عواقب الثناء أي كل ثناء يثنى به على كون من الأكوان دون اللّٰه فعاقبته ترجع إلى اللّٰه بطريقين الطريق الواحدة الثناء على الكون إنما هو بما يكون عليه ذلك الكون من الصفات المحمودة التي توجب الثناء عليه أو بما يكون منه من الآثار المحمودة التي هي نتائج عن الصفات المحمودة القائمة به و على أي وجه كان فإن ذلك الثناء راجع إلى اللّٰه إذ كان اللّٰه هو الموجد لتلك الصفات و الآثار لا لذلك الكون فرجعت عاقبة الثناء إلى اللّٰه و الطريق الأخرى أن ينظر العارف فيرى إن وجود الممكنات المستفاد إنما هو عين ظهور الحق فيها فهو متعلق الثناء لا الأكوان ثم إنه ينظر في موضع اللام من قوله لله فيرى إن الحامد عين المحمود لا غيره فهو الحامد المحمود و ينفي الحمد عن الكون من كونه حامدا و نفي كون الكون محمودا فالكون من وجه محمود لا حامد و من وجه لا حامد و لا محمود فأما كونه غير حامد فقد بيناه فإن الحمد فعل و الأفعال لله و أما كونه غير محمود فإنما يحمد المحمود بما هو له لا لغيره و الكون لا شيء له فما هو محمود أصلا كما ورد في مثل هذا المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زور فيحضر العارف في قوله اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ جميع ما ذكرناه و ما يعطيه الاسم الرب من الثبات و الإصلاح و التربية و الملك و السيادة هذه الخمسة يطلبها الاسم الرب و يحضر ما يعطيه العالم من الدلالة عليه تعالى فلا يكون جواب اللّٰه في قوله حمدني عبدي إلا لمن حمده بأدنى المراتب لأنه لكرمه يعتبر الأضعف الذي لم يجعل اللّٰه له حظا في العلم به تعالى رحمة به لعلمه أن العالم يعلم من سؤاله أو قراءته ما حضر معه في تلك القراءة من المعاني فيجيبه اللّٰه على ما وقع له و يدخل في إجمال ما خاطب به عبده العامي القليل العلم أو الأعجمي الذي لا علم له بمدلول ما يقرأه فافهم و اللّٰه الملهم

[الرحمن الرحيم]

ثم قال عن اللّٰه يقول العبد اَلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يقول اللّٰه أثنى على عبدي يعني بصفة الرحمة لاشتقاق هذين الاسمين منها و لم يقل في ما ذا لعموم رحمته و لأن العامي ما يعرف من رحمة اللّٰه به إلا إذا أعطاه ما يلائمه في غرضه و إن ضره أو ما يلائم طبعه و لو كان فيه شقاؤه و العارف ليس كذلك فإن الرحمة الإلهية قد تأتي إلى العبد في الصورة المكروهة كشرب الدواء الكرية الطعم و الرائحة للمريض و الشفاء فيه مبطون فإذا قال العارف اَلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ أحضر في نفسه مدلول هذا القول من حيث ما هو الحق موصوفا به و من حيث ما يطلبه المرحوم لعلمه بذلك كله و يحضر في قلبه أيضا عموم رحمته الواحدة المقسمة على خلقه في الدار الدنيا إنسهم و جنهم و مطيعهم و عاصيهم و كافرهم و مؤمنهم و قد شملت الجميع و رأى أن هذه الرحمة الواحدة لو لم تعط حقيقتها من اللّٰه أن يرزق بها عباده من جماد و نبات و حيوان و إنس و جان و لم يحجبها عن كافر و مؤمن و مطيع و عاصي عرف أن ذاتها من كونها رحمة تقتضي ذلك ثم جاء الوحي من أثر هذه الرحمة الواحدة بأن هذه الرحمة الواحدة السارية في العالم التي اقتضت حقيقتها أن تجعل الأم تعطف على ولدها في جميع الحيوان و هي واحدة من مائة رحمة و قد ادخر سبحانه لعباده في الدار الآخرة تسعا و تسعين رحمة فإذا كان يوم القيامة و نفذ في العالم حكمه و قضاؤه و قدره بهذه الرحمة الواحدة و فرغ الحساب و نزل الناس منازلهم من الدارين

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 423
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست