responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 360

يسمى عرفة علمنا اعتبار أن ذلك موقف العلماء العارفين بالله فإن اللّٰه يقول إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ و قال تَرىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّٰا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ و سيأتي الكلام إن شاء اللّٰه على هذا النوع في باب الحج من هذا الكتاب

[معرفة اللّٰه عن طريق النظر الفكري و عن طريق الوهب الرباني]

و لما رأى هذا المعتبر العالم تجرده عن المخيط اعتبر في تأليف الأدلة و تركيبها لحصول المعرفة بالله من طريق النظر الفكري بتركيب المقدمات و تأليفها فتظهر من ذلك صورة المعرفة بربه كالخائط الذي يؤلف قطع القميص بعضها إلى بعض فتظهر صورة القميص قيل له بتجريده المخيط حصل المعرفة بربك أو العلم بالله من التجلي الإلهي أو الرباني و اطرح عنك في هذا الموقف و هذا اليوم النظر العقلي بتأليف المقدمات و اشتغل اليوم بتحصيل المعرفة بربك من الامتنان الإلهي و الوهب الرباني من الواهب الذي يعطي لينعم فإنه الذي يقذف في نفسك العلم به على كل حال سواء نظرت في تأليف المقدمات أو لم تنظر فعامله سبحانه بالتجريد فإنه أولى بك و لا تلتفت إلى تأليفك المقدمات النظرية في العلم بالله فإن ذلك ظلمة في المعرفة لا يراها إلا البصير إذ لا مناسبة بين ما تؤلفه من ذلك و بين ما تستحقه ذاته جل و تعالى علوا كبيرا

[تطهر القلب عن التعلق في معرفة الرب بغير الرب]

و من كان يطلب منه هذه الحالة في ذلك الموقف الكريم و المشهد الخطير العظيم كيف لا يغتسل و يتطهر في باطنه و قلبه عن التعلق في معرفته بربه بغيره فيزيل عنه قذر مشاهدة الأغيار و درنها بعلم الحق بالحق دون علمه بنفسه إذ لا دليل عليه إلا هو لأن المعرفة تتعدى إلى مفعول واحد و أنت في عرفة و العلم يتعدى إلى مفعولين و لهذا يحصل لصاحب هذا المشهد عند العلمين إذا خرج من عرفة يريد المزدلفة و هي جمع يحصل له علم آخر يكون معلومه اللّٰه كما كان معلومه في عرفات الرب تعالى و هذا المفعول الواحد الحاصل لك في هذا اليوم هو علمك بربك لا بنفسك فتعرف الحق بالحق فيكون الحق الذي اغتسلت به يعطي تلك المعرفة به و يكون المغتسل منه اسم مفعول عين نفسك في دعواها في معرفة ربها بنفسها من طريق التعمل في تحصيلها و أين الدليل من الدليل هيهات و عزته ما تعرفه إن عرفته إلا به فافهم فهذا غسلك للوقوف بعرفة إن وفقت له و اللّٰه المؤيد و الملهم

(باب الاغتسال لدخول مكة زادها اللّٰه تشريفا)

اعلم أن دخول مكة هو القدوم على اللّٰه في حضرته فلا بد من تجديد طهارة لقلبك مما اكتسبه من الغفلات من زمان إحرامك من الميقات ظاهرا بالماء و باطنا بالعلم و الحضور فطهارة الظاهر الاغتسال بالماء عبادة و تنظيفا و طهارة الباطن و هو القلب بالتبري طلبا للولاء فإنه لا ولاء للحق إلا بالبراءة من الخلق حيث كان نظرك إليهم بنفسك لا بالله

[الحضور الدائم مع اللّٰه و الاغتسال لدخول مكة]

فمن كان حاله الحضور الدائم مع اللّٰه لم يغتسل لدخول مكة إلا الغسل الظاهر بالماء لإقامة السنة و أما لباطن فلا إلا عند رؤية البيت فإنه يتطهر باطنا بحياء خاص لمشاهدة بيته الخاص كذا و الطواف به الذين هم الطائفون كالحافين مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ إذ كان بيت اللّٰه بلا واسطة منذ خلق اللّٰه الدنيا ما جرت عليه يد مخلوق بكسب

[الاسم الإلهي الذي يتطهر به الطائف حول الكعبة]

و ليكن الاسم الإلهي الذي يتطهر به الاسم الأول من الأسماء الحسنى فإنه من نعوت البيت فتحصل المناسبة قال تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبٰارَكاً أي جعلت فيه البركة لعبادي و الهدى فمن رأى البيت و لم يجد عنده زيادة إلهية فما نال من بركة البيت شيئا لأن البركة الزيادة فما أضافه الحق فدل على أن قصده غير صحيح فإن تعجيل الطعام للضيف سنة

[البركة و الهدى في بيت اللّٰه الحرام]

فليجعل اغتساله أولا لا يجعله ثانيا لما تقدمه من غسل الإحرام فإنه طهارة خاص تليق بمشاهدة البيت و الطواف به لا مناسبة بينه و بين الاغتسال للإحرام إلا من وجه ما فإذا زعم أنه تطهر بهذا الطهر و فرغ من طوافه يتفقد باطنه فإن اللّٰه ما جعل البركة فيه و الهدى و هو البيان أي يتبين له ذلك الذي زاده ربه من العلم به فما جعلت البركة في البيت إلا أن يكون يعطي خازنه للطائف به القادم عليه من خلع البركة و القرب و العناية و البيان الذي هو الهدى في الأمور المشكلة في الأحوال و المسائل المبهمات الإلهية في العلم بالله ما يليق بمثل ذلك البيت المصطفى محل يمين الحق المبايع المقبل المسجود عليه

[بيت اللّٰه خزانة كنوزه في الأرض]

فإن هذا البيت خزانة اللّٰه من البركات و الهدى و قد نبه الشارع إشارة بذكر الكنز الذي فيه و أي كنز أعظم مما ذكر اللّٰه من البركة و الهدى حيث جعلهما عين البيت فكنزه من أضيف إليه و هو اللّٰه

[ثمرات الطواف في القلب الطائف في أقدس مطاف]

فلينظر الطائف القادم إذا فرغ من طوافه إلى قلبه فإن وجد زيادة من معرفة ربه و بيانا في معرفته لم تكن عنده فيعلم عند ذلك صحة اغتساله لدخول مكة و إن لم يجد شيئا من ذلك فيعلم أنه

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 360
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست