responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 350

ذكرناه فاعلم إن الماء هو الحياة التي تحيا بها القلوب فيحصل به الطهارة لكل قلب من الجهل قال تعالى أَ وَ مَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ وَ جَعَلْنٰا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّٰاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمٰاتِ لَيْسَ بِخٰارِجٍ مِنْهٰا هذا ضرب مثل في الكفر و الايمان و العلم و الجهل

[ماء البحر مخلوق من صفة الغضب الإلهي]

و أما ماء البحر الذي وقع فيه الخلاف الشاذ فكونه مخلوقا من صفة الغضب و الغضب يكون عنه الطرد و البعد في حق المغضوب عليه و الطهارة مؤدية إلى القرب و الوصلة فهذا سبب الخلاف في الباطن و أما العلة في الظاهر فتغير الطعم فمن رأى أن الغضب لله يؤدي إلى القرب من اللّٰه و الوصلة به رأى الوضوء بماء البحر و إليه أذهب

[الاتساع في علم التوحيد و التزام الأدب الشرعي]

و من اتسع في علم التوحيد و لم يلزم الأدب الشرعي فلم يغضب لله و لا لنفسه لم ير الوضوء بماء البحر لأنه مخلوق من الغضب فيخاف أن يؤثر فيه غضبا فتقوم به صفة الغضب و حاله لا تعطي ذلك فإن التوحيد يمنعه من الغضب لأنه في نظره ما ثم من يغضب عليه لاحدية العين عنده في جميع الأفعال المنسوبة إلى العالم إذ لو كان عنده مغضوب عليه لم يكن توحيد فإن موجب الغضب إنما هو الفعل و لا فاعل إلا اللّٰه و هذه المسألة من أشكل المسائل عند القوم و إن كانت عندنا هينة الخطب لمعرفتنا بمواضع الأدب الإلهي الذي شرعه لنا ثم التخلق بالأخلاق الإلهية و منها الغضب الذي وصف به نفسه في كتابه فقال تعالى وَ غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ و قوله في آية اللعان وَ الْخٰامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا و

قد جاءت السنة بأن اللّٰه يغضب يوم القيامة غضبا لم يغضب قبله مثله و لن يغضب بعده مثله

[الأديب هو الواقف من غير حكم يحكم من له الحكم]

فهذا الذي لا يغضب لا يرى إلا اللّٰه فيحكم عليه حاله و هذا مقام الحيرة فالويل له إن غضب هنا و الويل له إن لم يغضب في الآخرة فهو محجوج بكل حال دنيا و آخرة و الغضب لله أسلم و أنجى و أحسن بالإنسان فإن فيه لزوم الأدب المشروع و لما كان الغضب في أصل جبلة الإنسان كالجبن و الحرص و الشرة بين الحق له مصارف إذا وقع من العبد و اتصف به و للتسليم محال و مواضع قد شرعت التزم بها الأدباء حالا و غاب عنها أصحاب الأحوال و لعدم التسليم محال و مواضع قد شرعت فالأديب هو الواقف من غير حكم حتى يحكم الشارع الحق وَ هُوَ خَيْرُ الْحٰاكِمِينَ فإذا حكم وقف الأديب حيث حكم لا يزيد و لا ينقص

[الغضب القائم بالنفس و الرحمة الموجودة في القلب]

و الغضب صفة باطنة في الإنسان قد يكون لها أثر في الظاهر و قد لا يكون فإن الحال أغلب و الأحوال يعلو بعضها على بعض في القهر و الغلبة على من قامت بهم فإن جمع بين وجود الرحمة على المغضوب عليه في قلبه و حكم الغضب لله في حسه و ظاهره فإن أهل طريق اللّٰه نظروا أي الطريقين أعلى و أحق فمنا من قال بأن الغضب القائم بالنفس أعلى و منا من قال وجود الرحمة في القلب و إرسال حكم الغضب لله في الظاهر أعلى

[العبد مجبور في اختياره]

و ليس بيد العبد فيه شيء و إنما العبد مصرف فهو بحسب ما يقام فيه و يرد به و ما للإنسان في تركه و عدم تركه للشيء فعل بل هو مجبور في اختياره إذا كان مؤمنا فإنا قيدنا الغضب أن يكون لله و أما الغضب لغير اللّٰه فالطبع البشري يقتضي الغضب و الرضي

يقول رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر و أرضى كما يرضى البشر الحديث و قد علمنا به حالا و خلقا لله الحمد على ذلك

[الماء الحي و ما يعترضه من المزاج الطبيعي]

و أما حكم الماء الآجن في الباطن دون غيره مما يغير الماء مما لا ينفك عنه غالبا فاعلم إن اللّٰه سبحانه ما نزه الماء عن شيء يتغير به مما لا ينفك عنه غالبا إلا الماء الآجن فقال تعالى في صفة أهل الجنة الموصوفة بالطهارة فِيهٰا أَنْهٰارٌ مِنْ مٰاءٍ غَيْرِ آسِنٍ يقال أسن الماء و أجن إذا تغير و هو الماء المخزون في الصهاريج و كل ماء مخزون يتغير بطول المكث فإذا عرض للعلم الذي به حياة القلوب من المزاج الطبيعي أمر أثر فيه كالعلم بأن اللّٰه رحيم فإذا رأى رحمته بعباد اللّٰه كما يراها من نفسه من الرقة و الشفقة التي يجد ألمها في نفسه فيطلب العبد إزالة ذلك الألم الذي يجده في نفسه برحمة هذا الذي أدركته الرحمة عليه من المخلوقين قام له قيام الرقة به و حمل ذلك على رحمة اللّٰه فتغيرت عنده رحمة اللّٰه بالقياس على رحمته فلم ينبغ له أن يطهر نفسه لعبادة ربه بمثل هذه الرحمة الإلهية و قد تغيرت عنده و علة ذلك أن الحق ما وصف نفسه بالرقة في رحمته فالحق يقول لك هنا لا تجعل طبيعتك حاكمة على حياتك الإلهية و من يرى الوضوء بالماء الآجن لم يفرق فإن الحق قد وصف نفسه في مواضع بما يقتضيه الطبع البشري فيجري الكل مجرى واحدا و الأولى ما ذكرناه أولا أن لا نزيد على حكم اللّٰه شيئا فيما ذكر عن نفسه

[العلم الذي تذوب في اوقيانوسه الشبه]

و أما حكم الباطن في العلم القليل إذا وردت عليه الشبه المضلة و أثرت فيه التغير فإنه لا يجوز له استعمال ذلك العلم فإنه غير واثق به و إن كان عارفا بأن لذلك العلم وجها إلى الحق و لكن ليس في قوته لضعف علمه معرفة تعيين ذلك الوجه فيعدل عند ذلك إلى العلم الذي يستهلك الشبه و هو العلم الذي يأخذه عن الايمان من

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 350
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست