responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 332

فِي أَيِّ صُورَةٍ مٰا شٰاءَ و أي حرف نكرة مثل حرف ما فإنه حرف يقع على كل شيء فأبان لك أن المزاج لا يطلب صورة بعينها و لكن بعد حصولها تحتاج إلى هذا المزاج و ترجع به فإنه بما فيه من القوي التي لا تدبره إلا بها فإنه بقواه لها كالآلات لصانع النجارة أو البناء مثلا إذا هيئت و أتقنت و فرغ منها تطلب بذاتها و حالها صانعا يعمل بها ما صنعت له و ما تعين زيدا و لا عمرا و لا خالدا و لا واحدا بعينه فإذا جاء من جاء من أهل الصنعة مكنته الآلة من نفسها تمكينا ذاتيا لا تتصف بالاختيار فيه فجعل يعمل بها صنعته بصرف كل آلة لما هيئت له فمنها مكملة و هي المخلقة يعني التامة الخلقة و منها غير مكملة و هي غير المخلقة فينقص العامل من العمل على قدر ما نقص من جودة الآلة ذلك ليعلم أن الكمال الذاتي لله سبحانه فبين لك الحق مرتبة جسدك و روحك لتنظر و تفتكر فتعتبر أن اللّٰه ما خلقك سدى و إن طال المدى

[القصد و النية في الطهارة]

و أما القصد الذي هو النية شرط في صحة هذا النظر بخلاف قال تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أي اقصدوا التراب الذي ما فيه ما يمنع من استعماله في هذه العبادة من نجاسة و لم يقل ذلك في طهارة الماء فإنه أحال على الماء المطلق لا المضاف فإن الماء المضاف مقيد بما أضيف إليه عند العرب فإذا قلت للعربي أعطني ما جاء إليك بالماء الذي هو غير مضاف ما يفهم العرب منه غير ذلك و ما أرسل رسول و لا أنزل كتاب إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ

يقول رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين يقول تعالى إِنّٰا جَعَلْنٰاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ فلهذا لم يقل بالقصد في الماء لأنه سر الحياة فيعطي الحياة بذاته سواء قصد أم لم يقصد بخلاف التراب فإنه إن لم يقصد الصعيد الطيب فليس بنافع لأنه جسد كثيف لا يسرى فروحه القصد فإن القصد معنى روحاني فافتقر المتيمم للقصد الخاص في التراب أو الأرض بخلاف أيضا و لم يفتقر المتوضئ بالماء بخلاف فقال اغسلوا و لم يقل تيمموا ماء طيبا فإن قالوا إنما الأعمال بالنيات و هي القصد و الوضوء عمل قلنا سلمنا ما تقول و نحن نقول به و لكن النية هنا متعلقها العمل لا الماء و الماء ما هو العمل و القصد هنالك للصعيد فيفتقر الوضوء بهذا الحديث للنية من حيث ما هو عمل لا من حيث ما هو عمل بماء فالماء هنا تابع للعمل و العمل هو المقصود بالنية و هنالك القصد للصعيد الطيب و العمل به تبع يحتاج إلى نية أخرى عند الشروع في الفعل كما يفتقر العمل بالماء في الوضوء و الغسل و جميع الأعمال المشروعة إلى الإخلاص المأمور به و هو النية بخلاف قال تعالى وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ و في هذه الآية نظر و هذه مسألة ما حققها الفقهاء على الطريقة التي سلكنا فيها و في تحقيقها فافهم و لم يقل في الماء تيمموا الماء فيفتقر إلى روح من النية و الماء في نفسه روح فإنه يعطي الحياة من ذاته قال تعالى وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فإن كل شيء يسبح بحمد اللّٰه و لا يسبح إلا حي فالماء أصل الحياة في الأشياء و لهذا وقع الخلاف بين علماء الشريعة في النية في الوضوء هل هي شرط في صحته أو ليست بشرط في صحته و السر ما ذكرناه فإن قيل إن الإمام الذي لا يرى النية في الوضوء يراها في غسل الجنابة و كلا العبادتين بالماء و هو سر الحياة فيهما قلنا لما كانت الجنابة ماء و قد اعتبر الشرع الطهارة منها لدنس حكمي فيها لامتزاج ماء الجنابة بما في الأخلاط و كون الجنابة ماء مستحيلا من دم فشاركت الماء في سر الحياة فتمانعا فلم يقو الماء وحده على إزالة حكم الجنابة لما ذكرنا فافتقر إلى روح مؤيد له عند الاغتسال فاحتاج إلى مساعدة النية فاجتمع حكم النية و هي روح معنوي و حكم الماء فازالا بالغسل حكم الجنابة بلا شك كأبي حنيفة و من قال بقوله في هذه المسألة و من راعى كون ماء الجنابة لا يقوى قوة الماء المطلق لأنه ماء استحال من دم كماء الجنابة إلى ممازجته بالأخلاط و مفارقته إياه بالكثافة و اللونية قال قد ضعف ماء الجنابة عن مقاومة الماء المطلق فلم يفتقر عنده إلى نية كالحسن بن حي و المخالف لهما من العلماء ما تفطنوا لما رأياه هذان الإمامان و من ذهب مذهبهما فاجعل بالك لما بينته لك و رجح ما شئت

(وصل) [أقسام المياه و أقسام العلوم]

و بعد أن تحققت هذا فاعلم إن الماء ماءان ماء ملطف مقطر في غاية الصفاء و التخليص و هو ماء الغيث فإنه ماء مستحيل من أبخرة كثيفة قد أزال التقطير ما كان تعلق به من الكثافة و ذلك هو العلم الشرعي اللدني فإنه عن رياضة و مجاهدة و تخليص فطهر به ذاتك لمناجاة ربك و الماء الآخر ماء لم يبلغ في للطافة هذا المبلغ و هو ماء العيون و الأنهار فإنه ينبع من الأحجار ممتزجا بحسب البقعة التي ينبع بها و يجري عليها فيختلف طعمه فمنه عَذْبٌ فُرٰاتٌ و منه مِلْحٌ أُجٰاجٌ و منه مر زعاق

[ماء الغيث و العلم اللدني]

و ماء الغيث على حالة واحدة

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 332
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست