responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 324

لهم الحدود و وضع لهم المراسم لإصلاح المملكة و ليبلوهم أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً و جعل اللّٰه ذلك على قسمين قسم يسمى سياسة حكمية ألقاها في فطر نفوس الأكابر من الناس فحدوا حدودا و وضعوا نواميس بقوة وجدوها في نفوسهم كل مدينة و جهة و إقليم بحسب ما يقتضيه مزاج تلك الناحية و طباعهم لعلمهم بما تعطيه الحكمة فانحفظت بذلك أموال الناس و دماؤهم و أهلوهم و أرحامهم و أنسابهم و سموها نواميس و معناها أسباب خير لأن الناموس في العرف الاصطلاحي هو الذي يأتي بالخير و الجاسوس يستعمل في الشر فهذه هي النواميس الحكمية التي وضعها العقلاء عن إلهام من اللّٰه من حيث لا يشعرون لمصالح العالم و نظمه و ارتباطه في مواضع لم يكن عندهم شرع إلهي منزل و لا علم لواضع هذه النواميس بأن هذه الأمور مقربة إلى اللّٰه و لا تورث جنة و لا نارا و لا شيئا من أسباب الآخرة و لا علموا أن ثم آخرة و بعثا محسوسا بعد الموت في أجسام طبيعية و دارا فيها أكل و شرب و لباس و نكاح و فرح و دارا فيها عذاب و آلام فإن وجود ذلك ممكن و عدمه ممكن و لا دليل لهم في ترجيح أحد الممكنين بل رَهْبٰانِيَّةً ابْتَدَعُوهٰا فلهذا كان مبني نواميسهم و مصالحهم على إبقاء الصلاح في هذه الدار ثم انفردوا في نفوسهم بالعلوم الإلهية من توحيد اللّٰه و ما ينبغي لجلاله من التعظيم و التقديس و صفات التنزيه و عدم المثل و التشبيه و نبه من يدري و من علم ذلك من لا يدري و حرضوا الناس على النظر الصحيح و أعلموهم أن للعقول من حيث أفكارها حدا تقف عنده لا تتجاوزه و أن لله على قلوب بعض عباده فيضا إلهيا يعلمهم فيه من لدنه علما و لم يبعد ذلك عندهم و إن اللّٰه قد أودع في العالم العلوي أمورا استدلوا عليها بوجود آثارها في العالم العنصري و هو قوله تعالى وَ أَوْحىٰ فِي كُلِّ سَمٰاءٍ أَمْرَهٰا فبحثوا عن حقائق نفوسهم لما رأوا أن الصورة الجسدية إذا ماتت ما نقص من أعضائها شيء فعلموا أن المدرك و المحرك لهذا الجسد إنما هو أمر آخر زائد عليه فبحثوا عن ذلك الأمر الزائد فعرفوا نفوسهم ثم رأوا أنه يعلم بعد ما كان يجهل فعلموا أنها و إن كانت أشرف من أجسادها فإن الفقر و الفاقة يصحبها فاعتلوا بالنظر من شيء إلى شيء و كلما وصلوا إلى شيء رأوه مفتقرا إلى شيء آخر حتى انتهى بهم النظر إلى شيء لا يفتقر إلى شيء و لا مثله شيء و لا يشبه شيئا و لا يشبهه شيء فوقفوا عنده و قالوا هذا هو الأول و ينبغي أن يكون واحدا لذاته من حيث ذاته و أن أوليته لا تقبل الثاني و لا أحديته لأنه لا شبه له و لا مناسب فوحدوه توحيد وجود ثم لما رأوا أن الممكنات لأنفسها لا تترجح لذاتها علموا أن هذا الواحد أفادها الوجود فافتقرت إليه و عظمته بأن سلبت عنه جميع ما تصف ذواتها به فهذا حد العقل

[السياسة الشرعية و النواميس الإلهية]

فبينا هم كذلك إذ قام شخص من جنسهم لم يكن عندهم من المكانة في العلم بحيث أن يعتقدوا فيه أنه ذو فكر صحيح و نظر صائب فقال لهم أنا رسول اللّٰه إليكم فقالوا الإنصاف أولى انظروا في نفس دعواه هل ادعى ما هو ممكن أو ادعى ما هو محال فقالوا إنه قد ثبت عندنا بالدليل أن لله فيضا إلهيا يجوز أن يمنحه من يشاء كما أفاض ذلك على أرواح هذه الأفلاك و هذه العقول و الكل قد اشتركوا في الإمكان و ليس بعض الممكنات بأولى من بعض فيما هو ممكن فما بقي لنا نظر إلا في صدق هذا المدعي أو كذبه و لا نقدم على شيء من هذين الحكمين بغير دليل فإنه سوء أدب مع علمنا فقالوا هل لك دليل على صدق ما تدعيه فجاءهم بالدلائل فنظروا في دلالته و في أدلته و نظروا أن هذا الشخص ما عنده خبر مما تنتجه الأفكار و لا عرف منه فعلموا إن الذي أوحى في كل سماء أمرها كان مما أوحاه في كل سماء وجود هذا الشخص و ما جاء به فأسرعوا إليه بالإيمان به و صدقوه و علموا أن اللّٰه قد أطلعه على ما أودعه في العالم العلوي من المعارف ما لم تصل إليه أفكارهم ثم أعطاه من المعرفة بالله ما لم يكن عندهم و رأوا نزوله في المعارف بالله إلى العامي الضعيف الرأي بما يصلح لعقله من ذلك و إلى الكبير العقل الصحيح النظر بما يصلح لعقله من ذلك فعلموا أن الرجل عنده من الفيض الإلهي ما هو وراء طور العقل و أن اللّٰه قد أعطاه من العلم به و القدرة عليه ما لم يعطه إياهم فقالوا بفضله و تقدمه عليهم و آمنوا به و صدقوه و اتبعوه فعين لهم الأفعال المقربة إلى اللّٰه تعالى و أعلمهم بما خلق اللّٰه من الممكنات فيما غاب عنهم و ما يكون منه سبحانه فيهم في المستقبل و جاءهم بالبعث و النشور و الحشر و الجنة و النار

[أصل وضع الشريعة الإلهية في العالم]

ثم إنه تتابعت الرسل على اختلاف الأزمان و اختلاف الأحوال و كل واحد منهم يصدق صاحبه ما اختلفوا قط في الأصول التي استندوا إليها و عبروا عنها و إن اختلفت الأحكام فتنزلت الشرائع و نزلت الأحكام و كان الحكم بحسب الزمان و الحال كما قال تعالى

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 324
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست