responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 286



و اجعل شريعتك المثلى مصححة فإنها تمر يجنيه كاسبه
له الإساءة و الحسنى معا فكما تعلى طرائقه تردى مذاهبه
فاحذره إن له في كل طائفة حكما إذا جهلت فينا مكاسبه
لا تطلبن من الإلهام صورته فإن وسواس إبليس يصاحبه
في شكله و على ترتيب صورته و إن تميز فالمعنى يقاربه

[النفس محل قابل لما تلهمه من الفجور و التقوى]

قال اللّٰه تعالى وَ نَفْسٍ وَ مٰا سَوّٰاهٰا فَأَلْهَمَهٰا فُجُورَهٰا وَ تَقْوٰاهٰا من قوله أيضا كُلاًّ نُمِدُّ هٰؤُلاٰءِ وَ هَؤُلاٰءِ مِنْ عَطٰاءِ رَبِّكَ وَ مٰا كٰانَ عَطٰاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً فجعل النفس محلا قابلا لما تلهمه من الفجور و التقوى فتميز الفجور فتجتنبه و التقوى فتسلك طريقه و من وجه آخر تطلبه الآية و هو أنه بما ألهمها عراها أن يكون لها في الفجور و التقوى كسب أو تعمل و إنما هي محل لظهور الفعل فجورا كان أو تقوى شرعا فهي برزخ وسط بين هذين الحكمين

[خاطر المباح نعت ذاتي للنفس كالضحك للإنسان]

و لم ينسب سبحانه إلى نفسه خاطر المباح و لا الهامة فيها به و سبب ذلك أن المباح ذاتي لها فبنفس ما خلق عينها ظهر عين المباح فهو من صفاتها النفسية التي لا تعقل النفس إلا به فهو على الحقيقة أعني خاطر المباح نعت خاص كالضحك للإنسان و إن لم يكن من الفصول المقومة فهو حد لازم رسمي فإن من خاصية النفس دفع المضار و استجلاب المنافع و هذا لا يوجد في أقسام أحكام الشرع إلا في قسم المباح خاصة فإنه الذي يستوي فعله و تركه فلا أجر فيه و لا وزر شرعا و هو قوله و ما سواها من التسوية و هو الاعتدال في الشيء فسواك فعدلك يمتن بذلك على الإنسان و ما في أقسام أحكام الشريعة قسم يقتضي العدل و يعطي الاعتدال إلا قسم المباح فهي تطلبه بذاتها و خاصيتها فلذلك لم يصفها بأنها ملهمة فيه

[من هو ملهم النفس فجورها و تقواها]

و ما ذكر سبحانه من الملهم لها بالفجور و التقوى فأضمر الفاعل فالظاهر أن الضمير المضمر يعود على المضمر في سواها و هو اللّٰه تعالى و من نظر في

قول رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إن للملك في الإنسان لمة و للشيطان لمة يعني بالطاعة و هي التقوى و المعصية و هي الفجور فيكون الضمير في فَأَلْهَمَهٰا للملك في التقوى و للشيطان في الفجور و لم يجمعهما في ضمير واحد لبعد المناسبة بينهما و كل بقضاء اللّٰه و قدره و لا يصح أن يقال في هذا الموضع إن اللّٰه هو الملهم بالتقوى و إن الشيطان هو الملهم بالفجور لما في هذا من الجهل و سوء الأدب لما في ذلك من غلبة أحد الخاطرين و الفجور أغلب من التقوى و أيضا لقوله تعالى مٰا أَصٰابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ وَ مٰا أَصٰابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فإنه في تلك الآية ظاهر الاسم و السيئة فيها ما هي شرعا فتكون فجورا و إنما هي مما يسوءه و لا يوافق غرضه و هو في الظاهر قولهم فإنهم كانوا يتطيرون به صلى اللّٰه عليه و سلم أعني الكافرين فأمره سبحانه أن يقول كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ فَمٰا لِهٰؤُلاٰءِ الْقَوْمِ لاٰ يَكٰادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أي ما يحدث فيهم من الكوائن يقول اللّٰه عنهم إنهم يقولون إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي ما يسوءهم ف‌ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ و هو قوله طٰائِرُكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ فالفاعل في فَأَلْهَمَهٰا مضمر فإن كان اللّٰه هنا في الضمير هو الملهم بالتقوى و الشيطان هو الملهم بالفجور فقد جمع اللّٰه و الشيطان ضمير واحد و هذا غاية في سوء الأدب مع اللّٰه و ما أحسن ما جاء بالواو العاطفة في قوله وَ تَقْوٰاهٰا فتعالى اللّٰه الملك القدوس أن يجتمع مع المطرود من رحمة اللّٰه في ضمير مع احتمال الأمر في ذلك و

قد قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم بئس الخطيب أنت لما سمعه قد جمع بين اللّٰه تعالى و رسوله صلى اللّٰه عليه و سلم في ضمير واحد فقال و من يعصهما و ما قال ذلك رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إذ جمع بين اللّٰه و بين نفسه في ضمير واحد إلا بوحي من اللّٰه و هو قوله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ و قال وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ و نحن يلزمنا ملازمة الأدب فيما لم نؤمر به و لا نهينا عنه كما فعل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في قوله بئس الخطيب أنت و كذلك لا يترجح أن تنسب الإلهام بالفجور إلى اللّٰه فلم يبق بعد هذا الاستقصاء أن يكون الضمير في فَأَلْهَمَهٰا بالفجور إلا الشيطان و بالواو بالتقوى إلا الملك فمقابلة مخلوق بمخلوق أولى من مقابلة مخلوق بخالق و في قول رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم بئس الخطيب كفاية لمن أنار اللّٰه بصيرته

[النفس ليست بأمارة بالسوء من حيث ذاتها و لكن من حيث قابليتها]

فقد أعلمك برتبة نفسك و إنها ليست بأمارة بالسوء من حيث ذاتها و إنما ينسب إليها ذلك من حيث إنها قابلة لإلهام الشيطان بالفجور و لجهلها بالحكم المشروع في ذلك كنفس أمرت صاحبها بارتكاب أمر لم تعلم تحريمه

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 286
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست