responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 283

لا يأتي إلى كل طائفة إلا بما هو الغالب عليها و ليس غرضه من الصالحين إلا أن يجهلوه في الأخذ عنه فإذا جهلوه و نسبوا ذلك إلى اللّٰه و لم يعرفوا على أي طريق وصل إليهم كأنه قنع منهم بهذا القدر من الجهل و عرف أنهم تحت سلطانه فلا يزال يستدرجه في خيريته حتى يتمكن منه في تصديق خواطره و أنها من اللّٰه فيسلخه من دينه كما تنسلخ الحية من جلدها أ لا ترى صورة الجلد المسلوخ منها على صورة الحية كذلك هذا الأمر*

[العلم و الإيمان و لكن السعادة في الإيمان]

جاء إبليس إلى عيسى عليه السلام في صورة شخص شيخ في ظاهر الحس لأن الشيطان ليس له إلى باطن الأنبياء عليهم السلام من سبيل فخواطر الأنبياء عليهم السلام كلها إما ربانية أو ملكية أو نفسية لا حظ للشيطان في قلوبهم و من يحفظ من الأولياء في علم اللّٰه يكون بهذه المثابة في العصمة مما يلقى لا في العصمة من وصوله إليه فالولي المعتنى به على علامة من اللّٰه فيما يلقي إليه الشيطان و سبب ذلك أنه ليس بمشرع و الأنبياء مشرعون فلذلك عصمت بواطنهم

فقال لعيسى عليه السلام يا عيسى قل لا إله إلا اللّٰه و رضي منه أن يطيع أمره في هذا القدر فقال عيسى عليه السلام أقولها لا لقولك لا إله إلا اللّٰه فرجع خاسئا و من هنا تعلم الفرق بين العلم بالشيء و بين الايمان به و أن السعادة في الايمان و هو أن تقول ما تعلمه و ما قلته لقول رسولك الأول الذي هو موسى عليه السلام لقول هذا الرسول الثاني الذي هو محمد صلى اللّٰه عليه و سلم لا لعلمك و لا للقول الأول فحينئذ لك يشهد بالإيمان و مالك السعادة و إذا قلت ذلك لا لقوله و أظهرت أنك قلت ذلك لقوله كنت منافقا قال تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يريد أهل الكتاب حيث قالوا ما قالوه لأمر نبيهم عيسى أو موسى أو من كان من أهل الايمان بذلك من الكتب المتقدمة و لهذا قال لهم يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ثم قال لهم آمَنُوا بأنبيائي قولوا لا إله إلا اللّٰه لقول محمد صلى اللّٰه عليه و سلم لا لعلمكم بذلك و لا لإيمانكم بنبيكم الأول فتجمعوا بين الإيمانين فيكون لكم أجران

[الفرق بين ما هو من عند اللّٰه و بين طريق الملك و النفس و الشيطان]

فيقنع الشيطان من الإنسان أن يلبس عليه بهذا القدر فلا يفرق بين ما هو من عند اللّٰه من حيث ما هو من عند اللّٰه و لا بين طريق الملك و النفس و الشيطان فالله يجعل لك علامة تعرف بها مراتب خواطرك و مما تعرف به الخواطر الشيطانية و إن كانت في لطاعة بعدم الثبوت على الأمر الواحد و سرعة الاستبدال من خاطر بأمر ما إلى خاطر بأمر آخر فإنه حريص و هو مخلوق من لهب النار و لهب النار سريع الحركة فأصل إبليس عدم البقاء على حالة واحدة في أصل نشأته فهو بحكم أصله و الإنسان له الثبوت فإنه من التراب فله البرد و اليبس فهو ثابت في شغله و كذلك الخواطر النفسية ثابتة ما لم يزلزلها الملك أو الشيطان و متعلق أصل الخواطر الشيطانية إنما هو المحظور فعلا كان أو تركا ثم يليه المكروه فعلا كان أو تركا فالأول في العامة و الثاني في العباد من العامة و قد يتعلق بالمباح في حق المبتدي من أهل طريق اللّٰه و يأتي بالمندوب في حق المتوسطين من أهل اللّٰه أصحاب السماع فإنه يستدرج كل طائفة من حيث ما هو الغالب عليها فإنه عالم بمواقع المكر و الاستدراج و يأتي العارفين بالواجبات فلا يزال بهم حتى نووا مع اللّٰه فعل أمر ما من الطاعات و هو في نفس الأمر عهد يعهده مع اللّٰه فإذا استوثق منه في ذلك و عزم و ما بقي إلا الفعل أقام له عبادة أخرى أفضل منها شرعا فيرى العارف أن يقطع زمانه بالأولى فيترك الأول و يشرع في الثاني فيفرح إبليس حيث جعله ينقض عهد اللّٰه من بعد ميثاقه و العارف لا خبر له بذلك فلو عرف من أول أن ذلك من الشيطان عرف كيف يرده و كيف يأخذه كما فعل عيسى عليه السلام و كل متمكن من أهل اللّٰه من ورثة الأنبياء فيراها مع كونها حسنة هي خواطر شيطانية و كذا جاء للمنافق من أهل الكتاب قال له أ لم تعلم أن نبيك قد بشر بهذا الرجل و قد علمت أنه هو و النبوة تجمعهما فقل له أنك رسول اللّٰه لقول نبيك لا لقوله و لا فرق بينهما فيقول المنافق عند ذلك أنك رسول اللّٰه فأكذبهم اللّٰه فقال تعالى إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ على ما قررهم الشيطان فقال اللّٰه وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ في أنهم قالوا ذلك لقولك لا في قولهم أنك رسول اللّٰه و لو أراد ذلك كان نفيا لرسالته صلى اللّٰه عليه و سلم

[الميزان الذي يعرف به الخاطر الشيطاني من غيره]

فقد أعلمتك بمداخل الشيطان إلى نفوس العالم لتحذره و تسأل اللّٰه أن يعطيك علامة تعرفه بها و قد أعطاك اللّٰه في العامة ميزان الشريعة و ميز لك بين فرائضه و مندوباته و مباحة و محظوره و مكروهه و نص على ذلك في كتابه و على لسان رسوله فإذا خطر لك خاطر في محظور أو مكروه فتعلم أنه من الشيطان بلا شك و إذا خطر لك خاطر في مباح فتعلم أنه من النفس بلا شك فخاطر الشيطان بالمحظور

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 283
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست