responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 275

عرضي و الجزع في الإنسان أقوى منه في الحيوانات إلا الصرصر تقول العرب أجبن من صرصر و سبب قوته في الإنسان العقل و الفكر الذي ميزه اللّٰه بهما على سائر الحيوان و ما يشجع الإنسان إلا القوة الوهمية كما أنه أيضا بهذه القوة يزيد جبنا و جزعا في مواضع مخصوصة فإن الوهم سلطان قوي و سبب ذلك أن اللطيفة الإنسانية متولدة بين الروح الإلهي الذي هو النفس الرحماني و بين الجسم المسوي المعدل من الأركان المعدلة من الطبيعة التي جعلها اللّٰه مقهورة تحت النفس الكلية كما جعل الأركان مقهورة تحت حكم سلطان الأفلاك

[الجسم الحيواني هو في الدرجة الخامسة من القهر]

ثم إن الجسم الحيواني مقهور تحت سلطان الأركان التي هي العناصر فهو مقهور لمقهور عن مقهور و هو النفس عن مقهور و هو العقل فهو في الدرجة الخامسة من القهر من وجه فهو أضعف الضعفاء قال اللّٰه عز و جل اللّٰه الذي خلقكم من ضعف فالضعف أصله ثم جعل له قوة عارضة و هو قوله ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثم رده إلى أصله من الضعف فقال عز و جل ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَيْبَةً فهذا الضعف الأخير إنما أعده لإقامة النشأة الآخرة عليه كما قامت نشأة الدنيا على الضعف و لقد علمتم النشأة الأولى

[الجزع في الإنسان دليل افتقاره إلى اللّٰه]

و إنما كان هذا ليلازم ذاته الذلة و الافتقار و طلب المعونة و الحاجة لي خالقه و مع هذا كله يذهل عن أصله و يتيه بما عرض له من القوة فيدعي و يقول أنا و يمني نفسه بمقابلة لأهوال العظام فإذا قرصة برغوث أظهر الجزع لوجود الألم و بادر لإزالة ذلك الضرر و لم يقربه قرار حتى يجده فيقتله و ما عسى أن يكون البرغوث حتى يعتني به هذا الاعتناء و يزلزله عن مضجعه و لا يأخذه نوم فأين تلك الدعوى و الإقدام على الأهوال العظام و قد فضحته قرصة برغوث أو بعوضة هذا أصله ذلك ليعلم أن إقدامه على الأهوال العظام إنما هو بغيره لا بنفسه و هو ما يؤيده اللّٰه به من ذلك كما قال وَ أَيَّدْنٰاهُ أي قويناه و لهذا شرع وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ في كل ركعة و لا حول و لا قوة إلا بالله

[الوجود لذة و حلاوة و العدم ألم و ارتياع]

و لما علم الإنسان أنه لو لا جود اللّٰه عز و جل لم يظهر له عين في الوجود و أن أصله لم يكن شيئا مذكورا قال تعالى وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً فللوجود لذة و حلاوة و هو الخير و لتوهم العدم العيني ألم شديد عظيم في النفوس لا يعرف قدر ذلك إلا العلماء و لكن كل نفس تجزع من العدم أن تلحق به كما هو حالها فمهما رأت أمرا تتوهم فيه أنه يلحقها بعدم عينها أو بما يقاربه هربت منه و ارتاعت و خافت على عينها و بما كانت أيضا عن الروح الإلهي الذي هو نفس الرحمن و لهذا كني عنه بالنفخ لمناسبة النفس فقال و نفخت فيه من روحي و كذا جعل عيسى بنفخ في صورة طينية كهيئة الطير

[الأرواح:ظهورها،محالها صحتها مرضها]

فما ظهرت الأرواح إلا من الأنفاس غير أن للمحل الذي تمر به أثرا فيها بلا شك أ لا ترى الريح إذا مرت على شيء نتن جاءت ريح منتنة إلى مشمك و إذا مرت بشيء عطر جاءت بريح طيبة لذلك اختلفت أرواح الناس فروح طيبة لجسد طيب ما أشركت قط و لا كانت محلا لسفساف الأخلاق كأرواح الأنبياء و الأولياء و الملائكة و روح خبيث لجسد خبيث لم تزل مشركة محلا لسفساف الأخلاق و ذلك إنما كان لغلبة بعض الطبائع أعني الأخلاط على بعض في أصل نشأة الجسد التي هي سبب طيب الروح و وجود مكارم الأخلاق و سفسافها و خبث الروح فصحة الأرواح و عافيتها مكارم أخلاقها التي اكتسبتها من نشأة بدنها العنصري فجاءت بكل طيب و مليح و مرض الأرواح سفساف الأخلاق و مذمومها التي اكتسبتها أيضا من نشأة بدنها العنصري فجاءت بكل خبيث و قبيح ألا ترى الشمس إذا أفاضت نورها على جسم الزجاج الأخضر ظهر النور في الحائط أو في الجسم الذي تطرح الشعاع عليه أخضر و إن كان الزجاج أحمر طرح الشعاع أحمر في رأى العين فانصبغ في الناظر بلون المحل و ذلك للطافته يقبل الأشياء بسرعة و لما كان الهواء من أقوى الأشياء و كان الروح نفسا و هو شبيه بالهواء كانت القوة له فكان أصل نشأة الأرواح من هذه القوة و اكتسبت الضعف من المزاج الطبيعي البدني فإنه ما ظهر لها عين إلا بعد أثر المزاج الطبيعي فيها فخرجت ضعيفة لأنها إلى الجسم أقرب في ظهور عينها فإذا قبلت القوة إنما تقبلها من أصلها الذي هو النفس الرحماني المعبر عنه بالروح المنفوخ منه المضاف إلى اللّٰه فهي قابلة للقوة كما هي قابلة للضعف و كلاهما بحكم الأصل و هي إلى البدن أقرب لأنها أحدث عهدا به فغلب ضعفها على قوتها فلو تجردت عن المادة ظهرت قوتها الأصلية التي لها من النفخ الإلهي و لم يكن شيء أشد تكبرا منها فألزمها اللّٰه الصورة الطبيعية دائما في الدنيا و في البرزخ في النوم و بعد الموت فلا ترى نفسها أبدا مجردة عن المادة و في الآخرة لا تزال في

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 275
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست