responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 271

مع طلبه معرفة ذاته تعالى أو الجمع بين الدليلين المتعارضين أوقعهم في الحيرة

[أهل الحيرة هم أرباب المعرفة الحقة]

فرجال الحيرة هم الذين نظروا في هذه الدلائل و استقصوها غاية الاستقصاء إلى أن أداهم ذلك النظر إلى العجز و الحيرة فيه من نبي أو صديق

قال صلى اللّٰه عليه و سلم اللهم زدني فيك تحيرا فإنه كلما زاده الحق علما به زاده ذلك العلم حيرة و لا سيما أهل الكشف لاختلاف الصور عليهم عند الشهود فهم أعظم حيرة من أصحاب النظر في الأدلة بما لا يتقارب

قال النبي صلى اللّٰه عليه و سلم بعد ما بذل جهده في الثناء على خالقه بما أوحى به إليه لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك و قال أبو بكر الصديق رضي اللّٰه عنه في هذا المقام و كان من رجاله العجز عن درك الإدراك إدراك أي إذا علمت إن ثم من لا يعلم ذلك هو العلم بالله تعالى فكان الدليل على العلم به عدم العلم به و اللّٰه قد أمرنا بالعلم بتوحيده و ما أمرنا بالعلم بذاته بل نهى عن ذلك بقوله وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ و

نهى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم عن التفكر في ذات اللّٰه تعالى إذ من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ كيف يوصل إلى معرفة ذاته فقال اللّٰه تعالى آمرا بالعلم بتوحيده فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اللّٰهُ فالمعرفة به من كونه إلها و المعرفة بما ينبغي للاله أن يكون عليه من الصفات التي يمتاز بها عن من ليس بإله و عن المألوه هي المأمور بها شرعا فلا يعرف اللّٰه إلا اللّٰه

[طرق المعرفة الإلهية:العقل و النقل و الكشف]

فقامت الأدلة العقلية القاطعة على أنه إله واحد عند أهل النظر و أهل الكشف فلا إله إلا هو ثم بعد هذا الدليل العقلي على توحيده و العلم الضروري العقلي بوجوده و رأينا أهل طريق اللّٰه تعالى من رسول و نبي و ولي قد جاءوا بأمور من المعرفة بنعوت الإله في طريقهم إحالتها الأدلة العقلية و جاءت بصحتها الألفاظ النبوية و الأخبار الإلهية فبحث أهل الطريق عن هذه المعاني ليحصلوا منها على أمر يتميزون به عن أهل النظر الذين وقفوا حيث بلغت بهم أفكارهم مع تحققهم صدق الأخبار فقالوا نعلم أن ثم طورا آخر وراء طور إدراك العقل الذي يستقل به و هو للأنبياء و كبار الأولياء به يقبلون هذه الأمور الواردة عليهم في الجناب الإلهي فعملت هذه الطائفة في تحصيل ذلك بطريق الخلوات و الأذكار المشروعة لصفاء القلوب و طهارتها من دنس الفكر إذ كان المفكر لا يفكر إلا في المحدثات لا في ذات الحق و ما ينبغي أن يكون عليه في نفسه الذي هو مسمى اللّٰه و لم يجد صفة إثبات نفسية فأخذ ينظر في كل صفة يمكن أن يقبلها المحدث الممكن يسلبها عن اللّٰه لئلا يلزمه حكم تلك الصفة كما لزمت الممكن الحادث مثل ما فعل بعض النظار من المتكلمين في أمور أثبتوها و طردوها شاهدا و غائبا و يستحيل على ذات الحق أن تجتمع مع الممكن في صفة فإن كل صفة يتصف بها الممكن يزول وجودها بزوال الموصوف بها أو تزول هي مع بقاء الممكن كصفات المعاني و الأولى كصفات النفس ثم إن كل صفة منها ممكنة فإذا طردوها شاهدا و غائبا فقد وصفوا واجب الوجود لنفسه بما هو ممكن لنفسه و الواجب الوجود لنفسه لا يقبل ما يمكن أن يكون و يمكن أن لا يكون فإذا بطل الاتصاف به من حيث حقيقة ذلك الوصف لم يبق إلا الاشتراك في اللفظ إذ قد بطل الاشتراك في الحد و الحقيقة فلا يجمع صفة الحق و صفة العبد حد واحد أصلا فاذن بطل طرد ما قالوه و طردوه شاهدا و غائبا فلم يكن قولنا في اللّٰه إنه عالم على حد ما نقول في الممكن الحادث إنه عالم من طريق حد العلم و حقيقته فإن نسبة العلم إلى اللّٰه تخالف نسبة العلم إلى الخلق الممكن و لو كان عين العلم القديم هو عين العلم المحدث لجمعهما حد واحد ذاتي أعني العلمين و استحال عليه ما يستحيل على مثله من حيث ذاته و وجدنا الأمر على خلاف ذلك

[وسائل الصوفية في تحصيل المعرفة الإلهية]

فتعملت هذه الطائفة في تحصيل شيء مما وردت به الأخبار الإلهية من جانب الحق و شرعت في صقالة قلوبها بالأذكار و تلاوة القرآن و تفريغ المحل من النظر في الممكنات و الحضور و المراقبة مع طهارة الظاهر بالوقوف عند الحدود المشروعة من غض البصر عن الأمور التي نهى أن ينظر إليها من العورات و غيرها و إرساله في الأشياء التي تعطيه الاعتبار و الإستبصار و كذلك سمعه و لسانه و يده و رجله و بطنه و فرجه و قلبه و ما ثم في ظاهره سوى هذه السبعة و القلب ثامنها و يزيل التفكر عن نفسه جملة واحدة فإنه مفرق لهمه و يعتكف على مراقبة قلبه عند باب ربه عسى اللّٰه أن يفتح له الباب إليه و يعلم ما لم يكن يعلم مما علمته الرسل و أهل اللّٰه مما لم تستقل العقول بإدراكه و إحالته فإذا فتح اللّٰه لصاحب هذا القلب هذا الباب حصل له تجل إلهي أعطاه ذلك التجلي بحسب ما يكون حكمه فينسب إلى اللّٰه منه أمرا لم يكن قبل ذلك يجرأ على نسبته إلى اللّٰه سبحانه و لا يصفه به إلا قدر ما جاءت به الأنباء الإلهية فيأخذها تقليدا و الآن يأخذ ذلك كشفا موافقا

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 271
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست