responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 251

فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه عناية من اللّٰه سبحانه به صلى اللّٰه عليه و سلم إلى أن فجأه الحق فجاءه الملك فسلم عليه بالرسالة و عرفه بنبوته فلما تقررت عنده أرسل إلى الناس كافة بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ دٰاعِياً إِلَى اللّٰهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرٰاجاً مُنِيراً فبلغ الرسالة و أدى الأمانة و دعا إلى اللّٰه عز و جل عَلىٰ بَصِيرَةٍ فالوارث الكامل من الأولياء منا من انقطع إلى اللّٰه بشريعة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إلى أن فتح اللّٰه له في قلبه في فهم ما أنزل اللّٰه عز و جل على نبيه و رسوله محمد صلى اللّٰه عليه و سلم بتجل إلهي في باطنه فرزقه الفهم في كتابه عز و جل و جعله من المحدثين في هذه الأمة فقام له هذا مقام الملك الذي جاء إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ثم رده اللّٰه إلى الخلق يرشدهم إلى صلاح قلوبهم مع اللّٰه و يفرق لهم بين الخواطر المحمودة و المذمومة و يبين لهم مقاصد الشرع و ما ثبت من الأحكام عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و ما لم يثبت بإعلام من اللّٰه أتاه رحمة من عنده و علمه من لدنه علما فيرقى هممهم إلى طلب الأنفس بالمقام الأقدس و يرغبهم فيما عند اللّٰه كما فعل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في تبليغ رسالته غير إن الوارث لا يحدث شريعة و لا ينسخ حكما مقررا لكن يبين فإنه عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ و بصيرة في علمه وَ يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ بصدق اتباعه و هو الذي أشركه اللّٰه تعالى مع رسوله صلى اللّٰه عليه و سلم في الصفة التي يدعو بها إلى اللّٰه فأخبر و قال أَدْعُوا إِلَى اللّٰهِ عَلىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي و هم الورثة فهم يدعون إلى اللّٰه على بصيرة و كذلك شركهم مع الأنبياء عليهم السلام في المحنة و ما ابتلوا به فقال إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيٰاتِ اللّٰهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّٰاسِ و هم الورثة فشرك بينهم في البلاء كما شرك بينهم في الدعوة إلى اللّٰه

[صفة الكمال في الوراثة النبوية]

فكان شيخنا أبو مدين رضي اللّٰه عنه كثيرا ما يقول من علامات صدق المريد في إرادته فراره عن الخلق و هذه حالة الرسول صلى اللّٰه عليه و سلم في خروجه و انقطاعه عن الناس في غار حراء للتحنث ثم يقول و من علامات صدق فراره عن الخلق وجوده للحق فما زال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يتحنث في انقطاعه حتى فجأه الحق ثم قال و من علامات صدق وجوده للحق رجوعه إلى الخلق يريد حالة بعثه صلى اللّٰه عليه و سلم بالرسالة إلى الناس و يعني في حق الورثة بالإرشاد و حفظ الشريعة عليهم فأراد الشيخ بهذا صفة الكمال في الورث النبوي فإن لله عبادا إذا فجأهم الحق أخذهم إليه و لم يردهم إلى العالم و شغلهم به و قد وقع هذا كثيرا و لكن كمال الورث النبوي الرسالي في الرجوع إلى الخلق فإن اعترضك هنا قول أبي سليمان الداراني لو وصلوا ما رجعوا إنما ذلك فيمن رجع إلى شهواته الطبيعية و لذاته و ما تاب منه إلى اللّٰه و أما الرجوع إلى اللّٰه تعالى بالإرشاد فلا يقول لو لاح لهم بارقة من الحقيقة ما رجعوا إلى ما تابوا إلى اللّٰه منه و لو رأوا وجه الحق فيه فإن موطن التكليف و الأدب يمنعهم من ذلك و أما قول الآخر من أكابر الرجال لما قيل له فلان يزعم أنه وصل فقال إلى سقر فإنه يريد بهذا أنه من زعم أن اللّٰه محدود يوصل إليه و هو القائل وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ أو ثم أمر إذا وصل إليه سقطت عنه الأعمال المشروعة و أنه غير مخاطب بها مع وجود عقل التكليف عنده و إن ذلك الوصول أعطاه ذلك فهو هذا الذي قال فيه الشيخ إلى سقر أي هذا لا يصح بل الوصول إلى اللّٰه بقطع كل ما دونه حتى يكون الإنسان يأخذ عن ربه فهذا لا تمنعه الطائفة بلا خلاف

[الرجوع إلى الخلق قبل الوصول إلى الحق]

و كان شيخنا أبو يعقوب يوسف بن يخلف الكومي يقول بيننا و بين الحق المطلوب عقبة كئود و نحن في أسفل العقبة من جهة الطبيعة فلا نزال نصعد في تلك العقبة حتى نصل إلى أعلاها فإذا استشرفنا على ما وراءها من هناك لم نرجع فإن وراءها ما لا يمكن الرجوع عنه و هو قول أبي سليمان الداراني لو وصلوا ما رجعوا يريد إلى رأس العقبة فمن رجع من الناس إنما رجع من قبل الوصول إلى رأس العقبة و الإشراف على ما وراءها فالسبب الموجب للرجوع مع هذا إنما هو طلب الكمال و لكن لا ينزل بل يدعوهم من مقامه ذلك و هو قوله عَلىٰ بَصِيرَةٍ فيشهد فيعرف المدعو على شهود محقق و الذي لم يرد ماله وجه إلى العالم فيبقى هناك واقفا و هو أيضا المسمى بالواقف فإنه ما وراء تلك العقبة تكليف و لا ينحدر منها إلا من مات إلا أنه منهم أعني من الواقفين من يكون مستهلكا فيما يشاهده هنالك و قد وجد منهم جماعة و قد دامت هذه الحالة على أبي يزيد البسطامي و هذا كان حال أبي عقال المغربي و غيره

[مراتب الواصلين إلى اللّٰه]

و اعلم أنه بعد ما أعلمتك ما معنى الوصول إلى اللّٰه أن الواصلين على مراتب منهم من يكون وصوله إلى اسم ذاتي لا يدل إلا على اللّٰه تعالى من حيث هو دليل على الذات كالاسماء الأعلام عندنا لا تدل على معنى آخر مع

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 251
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست