responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 214

الساحل رأوا الساحل يجري بجري السفينة فقد أعطاهم البصر ما ليس بحقيقة و لا معلوم أصلا فإنهم عالمون علما ضروريا أن الساحل لم يتحرك من مكانه و لا يقدرون على إنكار ما شاهدوه من التحرك و كذلك إذا طعموا سكرا أو عسلا فوجدوه مرا و هو حلو فعلموا ضرورة أن حاسة الطعم غلطت عندهم و نقلت ما ليس بصحيح و الأمر عندنا ليس كذلك و لكن القصور و الغلط وقع من الحاكم الذي هو العقل لا من الحواس فإن الحواس إدراكها لما تعطيه حقيقتها ضروري كما إن العقل فيما يدركه بالضرورة لا يخطئ و فيما يدركه بالحواس أو بالفكر قد يغلط فما غلط حس قط و لا ما هو إدراكه ضروري فلا شك أن الحس رأى تحركا بلا شك و وجد طعما مرا بلا شك فأدرك البصر التحرك بذاته و أدرك الطعم قوة المرارة بذاته و جاء عقل فحكم إن الساحل متحرك و أن السكر مر و جاء عقل آخر و قال إن الخلط الصفراوي قام بمحل الطعم فأدرك المرارة و حال ذلك الخلط بين قوة الطعم و بين السكر فاذن فما ذاق الطعم إلا مرارة الصفراء فقد أجمع العقلان من الشخصين على أنه أدرك المرارة بلا شك و اختلف العقلان فيما هو المدرك للطعم فبان إن العقل غلط لا الحس فلا ينسب الغلط أبدا في الحقيقة إلا للحاكم لا للشاهد و عندي في هذه المسألة أمر آخر يخالف ما ادعوه و هو أن الحلاوة التي في الحلو و غير ذلك من المطعومات ليس هو في المطعوم لأمر إذا بحثت عليه وجدت صحة ما ذهبنا إليه و كذا الحكم في سائر الإدراكات و لو كان في العادة فوق العقل مدرك آخر يحكم على العقل و يأخذ عنه كما يحكم العقل على الحس لغلط أيضا ذلك المدرك الحاكم فيما هو للعقل ضروري و كان يقول إن العقل غلط فيما هو له ضروري

[الإدراك الخارق للعادة و المعرفة الصوفية]

فإذا تقرر هذا و عرفت كيف رتب اللّٰه المدركات و الإدراكات و أن ذلك الارتباط أمر عادي فاعلم إن لله عبادا آخرين خرق لهم العادة في إدراكهم العلوم فمنهم من جعل له إدراك ما يدرك بجميع القوي من المعقولات و المحسوسات بقوة البصر خاصة و آخر بقوة السمع و هكذا بجميع القوي ثم بأمور عرضية خلاف القوي من ضرب و حركة و سكون و غير ذلك

قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إن اللّٰه ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت علم الأولين و الآخرين فدخل في هذا العلم كل معلوم معقول و محسوس مما يدركه المخلوق فهذا علم حاصل لا عن قوة من القوي الحسية و المعنوية فلهذا قلنا إن ثم سببا آخر خلاف هذه القوي تدرك به المعلومات و إنما قلنا قد تدرك العلوم بغير قواها المعتادة فحكمنا على هذه الإدراكات لمدركاتها المعتادة بالعادة من أجل المتفرس فينظر صاحب الفراسة في الشخص فيعلم ما يكون منه أو ما خطر له في باطنه أو ما فعل و كذلك الزاجر و أشباهه و إنما جئنا بهذا كله تأنيسا لما نريد أن ننسبه إلى أهل اللّٰه من الأنبياء و الأولياء فيما يدركونه من العلوم على غير الطرق المعتادة فإذا أدركوها نسبوا إلى تلك الصفة التي أدركوا بها المعلومات فيقولون فلان صاحب نظر أي بالنظر يدرك جميع المعلومات و هذا ذقته مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و فلان صاحب سمع و فلان صاحب طعم و صاحب نفس و أنفاس يعني الشم و صاحب لمس و فلان صاحب معنى و هذا خارج عن هؤلاء بل هو كما يقال في العامة صاحب فكر صحيح فمن الناس من أعطى النظر إلى آخر القوي على قدر ما أعطى و هو له عادة إذا استمر ذلك عليه لأنه مشتق من العود أي يعود ذلك عليه في كل نظرة أو في كل شم ما ثم غير ذلك

[الأسماء الإلهية و المعارف الصوفية المعرفة]

و كذلك أيضا لتعلم إن الأسماء الإلهية مثل هذا و أن كل اسم يعطي حقيقة خاصة ففي قوته أن يعطي كل واحد من الأسماء الإلهية ما تعطيه جميع الأسماء قال تعالى قُلِ ادْعُوا اللّٰهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمٰنَ أَيًّا مٰا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ و كذلك لو ذكر كل اسم لقال فيه إن له الأسماء الحسنى و ذلك لاحدية المسمى فاعلم ذلك فمن الناس من يختص به الاسم اللّٰه فتكون معارفه إلهية و منهم من يختص به الاسم الرحمن فتكون معارفه رحمانية كما كانت في القوي الكونية يقال فيها معارف هذا الشخص نظرية و في حق آخر سمعية فهو من عالم النظر و عالم السمع و عالم الأنفاس هكذا تنسب معارفه في الإلهيات إلى الاسم الإلهي الذي فتح له فيه فتندرج فيه حقائق الأسماء كلها

[المعرفة الرحمانية و منزل الأنفاس]

فإذا علمت هذا أيضا فاعلم إن الذي يختص بهذا الباب من الأسماء الإلهية لهذا الشخص المعين الاسم الرحمن و الذي يختص به من القوي فينسب إليها قوة الشم و متعلقها الروائح و هي الأنفاس فهو من عالم الأنفاس في نسبة القوي و من الرحمانيين في مراتب الأسماء فنقول إن هذا الشخص المعين في هذا الباب سواء كان زيدا أو عمرا معرفته رحمانية فكل أمر ينسب إلى الاسم الرحمن

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 214
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست