responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 212

نفسها و ما ظهر للحس من ذلك من قول و عمل و ما نوته في ذلك الخاطر و الحديث فقلت الخواطر و الفضول إلا فيما يعني فهذا فائدة هذا الباب و فائدة الاشتغال بالنية و ما في الطريق ما يغفل عنه أكثر من هذا الباب فإن ذلك راجع إلى مراعاة الأنفاس و هي عزيزة

[قلب يونس أو الولادة الثانية]

و بعد أن عرفتك بأصول هذه الطائفة و ما هو سبب شغلهم بذلك و أنه لهم أمر شرعي و ما لهم في ذلك من الأسرار و العلوم فاعلم أيضا مقامهم في ذلك و ما لهم فهذه الطائفة على قلب يونس عليه السلام فإنه لما ذَهَبَ مُغٰاضِباً و ظن أن اللّٰه لا يضيق عليه لما عهده من سعة رحمة اللّٰه فيه و ما نظر ذلك الاتساع الإلهي الرحماني في حق غيره فتناله أمته و اقتصر به على نفسه و الغضب ظلمة القلب فأثرت لعلو منصبه في ظاهره فاسكن في ظلمة بطن الحوت ما شاء اللّٰه لينبهه اللّٰه على حالته حين كان جنينا في بطن أمه من كان يدبره فيه و هل كان في ذلك الموطن يتصور منه أن يغاضب أو يغاضب بل كان في كنف اللّٰه لا يعرف سوى ربه فرده إلى هذه الحالة في بطن الحوت تعليما له بالفعل لا بالقول فَنٰادىٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنْتَ عذرا عن أمته في هذا التوحيد أي تفعل ما تريد و تبسط رحمتك على من تشاء سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ مشتق من الظلمة أي ظلمتي عادت على ما أنت ظلمتني بل ما كان في باطني سرى إلى ظاهري و انتقل النور إلى باطني فاستنار فأزال ظلمة المغاضبة و انتشر فيه نور التوحيد و انبسطت الرحمة فسرى ذلك النور في ظاهره مثل ما سرت ظلمة الغضب فاستجاب له ربه فنجاه من الغم فقذفه الحوت من بطنه مولودا على الفطرة السليمة فلم يولد أحد من ولد آدم ولادتين سوى يونس عليه السلام فخرج ضعيفا كالطفل كما قال وَ هُوَ سَقِيمٌ و رباه باليقطين فإن ورقه ناعم و لا ينزل عليه ذباب فإن الطفل لضعفه لا يستطيع أن يزيل الذباب عن نفسه فغطاه بشجرة خاصيتها أن لا يقربها ذباب مع نعمة ورقها فإن ورق اليقطين مثل القطن في النعمة بخلاف سائر ورق الأشجار كلها فإن فيها خشونة و أنشأه اللّٰه عز و جل نشأة أخرى

[تمحيص النيات و القصد في الحركات]

و لما رأت هذه الطائفة أن يونس عليه السلام ما أتى عليه إلا من باطنه من الصفة التي قامت به و من قصده شغلوا نفوسهم بتمحيص النيات و القصد في حركاتهم كلها حتى لا ينوون إلا ما أمرهم اللّٰه به أن ينووه و يقصدوه و هذا غاية ما يقدر عليه رجال اللّٰه و هذه الطائفة في الرجال قليلون فإنه مقام ضيق جدا يحتاج صاحبه إلى حضور دائم و أكبر من كان فيه أبو بكر الصديق رضي اللّٰه عنه و لهذا قال عمر بن الخطاب رضي اللّٰه عنه فيه في حرب اليمامة فما هو إلا أن رأيت أن اللّٰه عز و جل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق لمعرفة عمر باشتغال أبي بكر بباطنه فإذا صدرت منه حركة في ظاهره فما تصدر إلا من إل و هو عزيز و لهذا كان من يفهم المقامات من المتقدمين من أهل الكتاب إذا سمعوا أو يقال لهم إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يقول كذا و كذا يقولون هذا كلام ما خرج إلا من إل أي هو كلام إلهي ما هو كلام مخلوق فانظر ما أحسن العلم و في أي مقام ثبتت هذه الطائفة و بأي قائمة استمسكت جعلنا اللّٰه منهم فجل أعمالهم في الباطن مساكن السائحين منهم الغيران و الكهوف و في الأمصار ما بناه غيرهم من عباد اللّٰه تعالى لا يضعون لبنة على لبنة و لا قصبة على قصبة و

هكذا كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إلى أن انتقل إلى ربه ما بنى قط مسكنا لنفسه

[الدنيا قنطرة خشب على نهر عظيم جرار]

و سبب ذلك أنهم رأوا الدنيا جسرا منصوبا من خشب على نهر عظيم و هم عابرون فيه راحلون عنه فهل رأيتم أحدا بنى منزلا على جسر خشب لا و اللّٰه و لا سيما و قد عرف أن الأمطار تنزل و أن النهر يعظم بالسيول التي تأتي و أن الجسور تنقطع فكل من بنى على جسر فإنما يعرض به للتلف فلو أن عمار الدنيا يكشف اللّٰه عن بصيرتهم حتى يروها جسرا و يروا النهر الذي بنيت عليه أنه خطر قوي ما بنوا الذي بنوا عليه من القصور المشيدة فلم يكن لهم عيون يبصرون بها إن الدنيا قنطرة خشب على نهر عظيم خرار و لا كان لهم سمع يسمعون به قول الرسول العالم بما أوحى اللّٰه إليه به إن الدنيا قنطرة فلا بالإيمان عملوا و لا على الرؤية و الكشف حصلوا فهم كما قال اللّٰه فيهم وَ حَسِبُوا أَلاّٰ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا ثُمَّ تٰابَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ في حال سماعهم من الرسول صلى اللّٰه عليه و سلم حين

قال لهم إن الدنيا قنطرة و أشباه ذلك فلا تشغلوا نفوسكم بعمارتها و انهضوا فما فرغ من قوله صلى اللّٰه عليه و سلم حتى رجع كثير منهم إلى عماهم و صممهم مع كونهم مسلمين مؤمنين فأخبر اللّٰه تعالى نبيه بقوله ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ بعد التوبة يقول ما نفع القول فيهم يا ولي لو فرضنا إن الدنيا باقية أ لسنا نبصر رحلتنا عنها جيلا بعد جيل

[مراعاة القلوب و مقتضيات«المحبوب»]

فمن أحوال هذه الطائفة مراعاتهم

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 212
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست