responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 209

(الباب الثالث و الثلاثون في معرفة أقطاب النيات و أسرارهم و كيفية أصولهم و يقال لهم النياتيون)

(بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)

الروح للجسم و النيات للعمل تحيا بها كحياة الأرض بالمطر
فتبصر الزهر و الأشجار بارزة و كل ما تخرج الأشجار من ثمر
كذاك تخرج من أعمالنا صور لها روائح من نتن و من عطر
لو لا الشريعة كان المسك يخجل من أعرافها هكذا يقضي به نظري
إذا كان مستند التكوين أجمعه له فلا فرق بين النفع و الضرر
فالزم شريعته تنعم بها سورا تحلها صور تزهو على سرر
مثل الملوك تراها في أسرتها أو كالعرائس معشوقين للبصر

[النيات و الأعمال]

روينا من حديث رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أنه قال إنما الأعمال بالنيات و إنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى اللّٰه و رسوله فهجرته إلى اللّٰه و رسوله و من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه رواه عمر بن الخطاب رضي اللّٰه عنه

[النية واحدة من حيث ذاتها مختلفة و متعددة من حيث منوياتها]

اعلم أن لمراعاة النيات رجالا على حال مخصوص و نعت خاص أذكرهم إن شاء اللّٰه و أذكر أحوالهم و النية لجميع الحركات و السكنات في المكلفين للأعمال كالمطر لما تنبته الأرض فالنية من حيث ذاتها واحدة و تختلف بالمتعلق و هو المنوي فتكون النتيجة بحسب المتعلق به لا بحسبها فإن حظ النية إنما هو القصد للفعل أو تركه و كون ذلك الفعل حسنا أو قبيحا و خيرا أو شرا ما هو من أثر النية و إنما هو من أمر عارض عرض ميزه الشارع و عينه للمكلف فليس للنية أثر البتة من هذا الوجه خاصة كالماء إنما منزلته أن ينزل أو يسبح في الأرض و كون الأرض الميتة تحيا به أو ينهدم بيت العجوز الفقيرة بنزوله ليس ذلك له فتخرج الزهرة الطيبة الريح و المنتنة و الثمرة الطيبة و الخبيثة من خبث مزاج البقعة أو طيبها أو من خبث البزرة أو طيبها قال تعالى يُسْقىٰ بِمٰاءٍ وٰاحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَهٰا عَلىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ثم قال إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فليس للنية في ذلك إلا الإمداد كما قال تعالى يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً يعني المثل المضروب به في القرآن أي بسببه و هو من القرآن فكما كان الماء سببا في ظهور هذه الروائح المختلفة و الطعوم المختلفة كذلك هي النيات سبب في الأعمال الصالحة و غير الصالحة

[الهدى و الضلال]

و معلوم أن القرآن مهداة كله و لكن بالتأويل في المثل المضروب ضل من ضل و به اهتدى من اهتدى فهو من كونه مثلا لم تتغير حقيقته و إنما العيب وقع في عين الفهم كذلك النية أعطت حقيقتها و هو تعلقها بالمنوي و كون ذلك المنوي حسنا أو قبيحا ليس لها و إنما ذلك لصاحب الحكم فيه بالحسن و القبح و قال تعالى إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ أي بينا له طريق السعادة و الشقاء ثم قال إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً هذا راجع للمخاطب المكلف فإن نوى الخير أثمر خيرا و إن نوى الشر أثمر شرا فما أتى عليه إلا من المحل من طيبه أو خبثه يقول اللّٰه تعالى وَ عَلَى اللّٰهِ قَصْدُ السَّبِيلِ أي هذا أوجبته على نفسي كان اللّٰه يقول الذي يلزم جانب الحق منكم أن يبين لكم السبيل الموصل إلى سعادتكم و قد فعلت فإنكم لا تعرفونه إلا بإعلامي لكم به و تبييني

[طريقا السعادة و الشقاء و الإيجاب الإلهي]

و سبب ذلك أنه سبق في العلم إن طريق سعادة العباد إنما هو في سبب خاص و سبب شقائهم أيضا إنما هو في طريق خاص و ليس إلا العدول عن طريق السعادة و هو الايمان بالله و بما جاء من عند اللّٰه مما ألزمنا فيه الايمان به و لما كان العالم في حال جهل بما في علم اللّٰه من تعيين تلك الطريق تعين الإعلام به بصفة الكلام فلا بد من الرسول قال اللّٰه تعالى وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً و لا نوجب على اللّٰه إلا ما أوجبه على نفسه و قد أوجب التعريف على نفسه بقوله تعالى وَ عَلَى اللّٰهِ قَصْدُ السَّبِيلِ مثل قوله وَ كٰانَ حَقًّا عَلَيْنٰا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ و قوله كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ و على الحقيقة إنما وجب ذلك على النسبة لا على نفسه فإنه يتعالى أن يجب عليه من أجل حد الواجب الشرعي فكأنه لما تعلق العلم الإلهي أزلا بتعيين الطريق التي فيها سعادتنا و لم يكن للعلم بما هو علم صورة التبليغ و كان

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 209
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست