responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 207

و لا شك أن العصاة لهم عقول و لكن ليسوا بأولي نهى فاختلفت صفاتهم إذ كانت كل صفة تعطي صنفا من العلم لا يحصل إلا لمن حاله تلك الصفة فما ذكرها اللّٰه سدى و كثر اللّٰه ذكر الآيات في القرآن العزيز ففي مواضع أردفها و تلا بعضها بعضا و أردف صفة العارفين بها و في مواضع أفردها فمثل إرداف بعضها على بعض مساقها في سورة الروم فلا يزال يقول تعالى وَ مِنْ آيٰاتِهِ وَ مِنْ آيٰاتِهِ وَ مِنْ آيٰاتِهِ فيتلوها جميع الناس و لا يتنبه لها إلا الأصناف الذين ذكرهم في كل آية خاصة فكان تلك الآيات في حق أولئك أنزلت آيات و في حق غيرهم لمجرد التلاوة ليؤجروا عليها

[النوم و اليقظة:من آيات اللّٰه]

و لما قرأت هذه السورة و أنا في مقام هذه الطبقة و وصلت إلى قوله وَ مِنْ آيٰاتِهِ مَنٰامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ وَ ابْتِغٰاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ تعجبت كل العجب من حسن نظم القرآن و جمعه و لما ذا قدم ما كان ينبغي في النظر العقلي في ظاهر الأمر أن يكون على غير هذا النظم فإن النهار لابتغاء الفضل و الليل للمنام كما قال في القصص وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ فأعاد الضمير على الليل وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يريد في النهار فأضمر و إن كان الضميران يعودان على المعنى المقصود فقد يعمل الصانع بالليل و يبيع و يشتري بالليل كما أنه ينام أيضا و يسكن بالنهار و لكن الغالب في الأمور هو المعتبر فلاح لي من خلف ستارة هذه الآية و حسن العبارة عنها الرافعة سترها و هو قوله مَنٰامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ أمر زائد على ما يفهم منه في العموم بقرائن الأحوال في ابتغاء الفضل للنهار و المنام لليل ما نذكره

[النشأتان:الدنيوية و الأخروية]

و هو أن اللّٰه نبه بهذه الآية على إن نشأة الآخرة الحسية لا تشبه هذه النشأة الدنياوية و إنها ليست بعينها بل تركيب آخر و مزاج آخر كما وردت به الشرائع و التعريفات النبوية في مزاج تلك الدار و إن كانت هذه الجواهر عينها بلا شك فإنها التي تبعثر في القبور و تنشر و لكن يختلف التركيب و المزاج بأعراض و صفات تليق بتلك الدار لا تليق بهذه الدار و إن كانت الصورة واحدة في العين و السمع و الأنف و الفم و اليدين و الرجلين بكمال النشأة و لكن الاختلاف بين فمنه ما يشعر به و يحس و منه ما لا يشعر به و لما كانت صورة الإنشاء في الدار الآخرة على صورة هذه لنشأة لم يشعر بما أشرنا إليه و لما كان الحكم يختلف عرفنا إن المزاج اختلف فهذا الفرق بين حظ الحس و العقل

[الدنيا نوم و الموت يقظة]

فقال تعالى وَ مِنْ آيٰاتِهِ مَنٰامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ و لم يذكر اليقظة و هي من جملة لآيات فذكر المنام دون اليقظة في حال الدنيا فدل على إن اليقظة لا تكون إلا عند الموت و أن الإنسان نائم أبدا ما لم يمت فذكر أنه في منام بالليل و النهار في يقظته و نومه و

في الخبر الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا أ لا ترى أنه لم يأت بالباء في قوله تعالى وَ النَّهٰارِ و اكتفى بباء الليل ليحقق بهذه المشاركة أنه يريد المنام في حال اليقظة المعتادة فحذفها مما يقوي الوجه الذي أبرزناه في هذه الآية فالمنام هو ما يكون فيه النائم في حال نومه فإذا استيقظ يقول رأيت كذا و كذا فدل إن الإنسان في منام ما دام في هذه النشأة في الدنيا إلى أن يموت فلم يعتبر الحق اليقظة المعتادة عندنا في العموم بل جعل الإنسان في منام في نومه و يقظته كما أوردناه في الخبر النبوي من

قوله صلى اللّٰه عليه و سلم الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فوصفهم بالنوم في الحياة الدنيا و

[الدنيا حلم يجب تأويله و جسر يجب عبوره]

العامة لا تعرف النوم في المعتاد إلا ما جرت به العادة أن يسمى نوما فنبه النبي صلى اللّٰه عليه و سلم بل صرح أن الإنسان في منام ما دام في الحياة الدنيا حتى ينتبه في الآخرة و الموت أول أحوال الآخرة فصدقه اللّٰه بما جاء به في قوله تعالى وَ مِنْ آيٰاتِهِ مَنٰامُكُمْ بِاللَّيْلِ و هو النوم العادي وَ النَّهٰارِ و هو هذا المنام الذي صرح به رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و لهذا جعل الدنيا عبرة جسرا يعبر أي تعبر كما تعبر الرؤيا التي يراها الإنسان في نومه فكما إن الذي يراه الرائي في حال نومه ما هو مراد لنفسه إنما هو مراد لغيره فيعبر من تلك الصورة المرئية في حال النوم إلى معناها المراد بها في عالم اليقظة إذا استيقظ من نومه كذلك حال الإنسان في الدنيا ما هو مطلوب للدنيا فكل ما يراه من حال و قول و عمل في الدنيا إنما هو مطلوب للآخرة فهناك يعبر و يظهر له ما رآه في الدنيا كما يظهر له في الدنيا إذا استيقظ ما رآه في المنام فالدنيا جسر يعبر و لا يعمر كالإنسان في حال ما يراه في نومه يعبر و لا يعمر فإنه إذا استيقظ لا يجد شيئا مما رآه من خير يراه أو شر و ديار و بناء و سفر و أحوال حسنة أو سيئة فلا بد أن يعبر له العارف بالعبارة ما رآه فيقول له تدل رؤياك لكذا على كذا فكذلك الحياة الدنيا منام إذا انتقل إلى الآخرة بالموت لم ينتقل معه شيء مما كان في يده و في حسه من دار و أهل و مال كما كان حين استيقظ من نومه لم ير شيئا في يده مما كان له حاصلا في رؤياه في حال نومه فلهذا قال تعالى إننا في منام بالليل و النهار و في الآخرة تكون

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 207
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست