responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 158

خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمٰانِهِمْ وَ عَنْ شَمٰائِلِهِمْ و يستعين على الإنسان بالطبع فإنه المساعد له فيما يدعوه إليه من اتباع الشهوات فأمر الإنسان أن يقاتله من هذه الجهات و أن يحصن هذه الجهات بما أمره الشرع أن يحصنها به حتى لا يجد الشيطان إلى الدخول إليه منها سبيلا فإن جاءك من بين يديك و طردته لاحت لك من العلوم علوم النور منة من اللّٰه عليك و جزاء حيث آثرت جناب اللّٰه على هواك و علوم النور على قسمين علوم كشف و علوم برهان بصحيح فكر فيحصل له من طريق البرهان ما يرد به الشبه المضلة القادحة في وجود الحق و توحيده و أسمائه و أفعاله فبالبرهان يرد على المعطلة و يدل على إثبات وجود الإله و به يرد على أهل الشرك اَلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ و يدل على توحيد الإله من كونه إلها و به يرد على من ينفي أحكام الأسماء الإلهية و صحة آثارها في الكون و يدل على إثباتها بالبرهان السمعي من طريق الإطلاق و بالبرهان العقلي من طريق المعاني و به يرد على نفاة الأفعال من الفلاسفة و يدل على أنه سبحانه فاعل و أن المفعولات مرادة له سمعا و عقلا و أما علوم الكشف فهو ما يحصل له من المعارف الإلهية في التجليات في المظاهر و إن جاءك من خلفك و هو ما يدعوك إليه أن تقول على اللّٰه ما لا تعلم و تدعى النبوة و الرسالة و إن اللّٰه قد أوحي إليك و ذلك أن الشيطان إنما ينظر في كل ملة كل صفة علق الشارع المذمة عليها في تلك الأمة فيأمرك بها و كل صفة علق المحمدة عليها نهاك عنها هذا على الإطلاق و الملك على النقيض منه يأمرك بالمحمود منها و ينهاك عن المذموم فإذا طردته من خلفك لاحت لك علوم الصدق و منازله و أين ينتهي بصاحبه كما قال تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ إلا أن ذلك صدقهم هو الذي أقعدهم ذلك المقعد عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ فإن الاقتدار يناسب الصدق فإن معناه القوي يقال رمح صدق أي صلب قوي و لما كانت القوة صفة هذا الصادق حيث قوى على نفسه فلم يتزين بما ليس له و التزم الحق في أقواله و أحواله و أفعاله و صدق فيها أقعده الحق عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ أي أطلعه على القوة الإلهية التي أعطته القوة في صدقه الذي كان عليه فإن الملك هو الشديد أيضا فهو مناسب للمقتدر قال قيس بن الحطيم يصف طعنة

ملكت بها كفي فانهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها
أي شددت كفي بها يقال ملكت العجين إذا شددت عجنه فيحصل لك إذا خالفته في هذا الأمر الذي جاءك به علم تعلق الاقتدار الإلهي بالإيجاد و هي مسألة خلاف بين أهل الحقائق من أصحابنا و يحصل لك علم العصمة و الحفظ الإلهي حتى لا يؤثر فيك و همك و لا غيرك فتكون خالصا لربك و إن جاءك من جهة اليمين فقويت عليه و دفعته فإنه إذا جاءك من هذه الجهة الموصوفة بالقوة فإنه يأتي إليك ليضعف إيمانك و يقينك و يلقي عليك شبها في أدلتك و مكاشفاتك فإنه له في كل كشف يطلعك الحق عليه أمرا من عالم الخيال ينصبه لك مشابها لحالك الذي أنت به في وقتك فإن لم يكن لك علم قوي بما تميز به بين الحق و ما يخيله لك فتكون موسوي المقام و إلا التبس عليك الأمر كما خيلت السحرة للعامة أن الحبال و العصي حيات و لم تكن كذلك

[عصا موسى و حبال السحرة]

و قد كان موسى ع لما ألقى عصاه فكانت حَيَّةٌ تَسْعىٰ خاف منها على نفسه على مجرى العادة و إنما قدم اللّٰه بين يديه معرفة هذا قبل جمع السحرة ليكون على يقين من اللّٰه أنها آية و أنها لا تضره و كان خوفه الثاني عند ما ألقت السحرة الحبال و العصي فصارت حيات في أبصار الحاضرين على الأمة لئلا يلتبس عليهم الأمر فلا يفرقون بين الخيال و الحقيقة أو بين ما هو من عند اللّٰه و بين ما ليس من عند اللّٰه فاختلف تعلق الخوفين فإنه ع على بينة من ربه قوي الجأش بما تقدم له إذ قيل له في الإلقاء الأول خُذْهٰا وَ لاٰ تَخَفْ سَنُعِيدُهٰا سِيرَتَهَا الْأُولىٰ أي ترجع عصا كما كانت في عينك فأخفى تعالى العصا في روحانية الحية البرزخية فتلقفت جميع حيات السحرة المتخيلة في عيون الحاضرين فلم يبق لتلك الحبال و العصي عين ظاهرة في أعينهم و هي ظهور حجته على حججهم في صور حبال و عصى فأبصرت السحرة و الناس حبال السحرة و عصيهم التي ألقوها حبالا و عصيا فهذا كان تلقفها لا أنها انعدمت الحبال و العصي إذ لو انعدمت لدخل عليهم التلبيس في عصا موسى و كانت الشبهة تدخل عليهم فلما رأى الناس الحبال حبالا علموا أنها مكيدة طبيعية يعضدها قوة كيدية روحانية فتلقفت عصا موسى صور الحيات من الحبال و العصي كما يبطل كلام الخصم إذا كان على غير حق أن يكون حجة لا إن ما أتى به ينعدم بل يبقى محفوظا معقولا

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 158
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست