responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 125

ينشئه من الطين و الطبخ و كان نشء جسم حواء نشء النجار فيما ينحته من الصور في الخشب فلما نحتها في الضلع و أقام صورتها و سواها و عدلها نفخ فيها من روحه فقامت حية ناطقة أنثى ليجعلها محلا للزراعة و الحرث لوجود الإنبات الذي هو التناسل فسكن إليها و سكنت إليه و كانت لباسا له و كان لباسا لها قال تعالى هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ و سرت الشهوة منه في جميع أجزائه فطلبها

[تكوين الجسم الثالث]

فَلَمّٰا تَغَشّٰاهٰا و ألقى الماء في الرحم و دار بتلك النطفة من الماء دم الحيض الذي كتبه اللّٰه على النساء تكون في ذلك الجسم جسم ثالث على غير ما تكون منه جسم آدم و جسم حواء فهذا هو الجسم الثالث فتولاه اللّٰه بالنشء في الرحم حالا بعد حال بالانتقال من ماء إلى نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظم ثم كسا العظم لحما فلما أتم نشأته الحيوانية أنشأه خلقا آخر فنفخ فيه الروح الإنساني فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ و لو لا طول الأمر لبينا تكوينه في الرحم حالا بعد حال و من يتولى ذلك من الملائكة الموكلين بإنشاء الصور في الأرحام إلى حين الخروج و لكن كان الغرض الإعلام بأن الأجسام الإنسانية و إن كانت واحدة في الحد و الحقيقة و الصور الحسية و المعنوية فإن أسباب تأليفها مختلفة لئلا يتخيل أن ذلك لذات السبب تعالى اللّٰه بل ذلك راجع إلى فاعل مختار يفعل ما يشاء كيف يشاء من غير تحجير و لا قصور على أمر دون أمر لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

[تكوين جسم عيسى]

و لما قال أهل الطبيعة إن ماء المرأة لا يتكون منه شيء و إن الجنين الكائن في الرحم إنما هو من ماء الرجل لذلك جعلنا تكوين جسم عيسى تكوينا آخر و إن كان تدبيره في الرحم تدبير أجسام البنين فإن كان من ماء المرأة إذ تمثل لها الروح بَشَراً سَوِيًّا أو كان عن نفخ بغير ماء فعلى كل وجه هو جسم رابع مغاير في النشء غيره من أجسام النوع و لذلك قال تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسىٰ أي صفة نشء عيسى عِنْدَ اللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ الضمير يعود على آدم و وقع الشبه في خلقه من غير أب أي صفة نشئه صفة نشء آدم إلا أن آدم خلقه من تراب ثُمَّ قٰالَ لَهُ كُنْ ثم إن عيسى على ما قيل لم يلبث في بطن مريم لبث البنين المعتاد لأنه أسرع إليه التكوين لما أراد اللّٰه أن يجعله آية و يرد به على الطبيعيين حيث حكموا على الطبيعة بما أعطتهم من العادة لا بما تقتضيه مما أودع اللّٰه فيها من الأسرار و التكوينات العجيبة و لقد أنصف بعض حذاق هذا الشأن الطبيعة فقال لا نعلم منها إلا ما أعطتنا خاصة و فيها ما لا نعلم

[الإنسان في الأرض نظير العقل في السماء]

فهذا قد ذكرنا ابتداء الجسوم الإنسانية و إنها أربعة أجسام مختلفة النشء كما قررنا و أنه آخر المولدات فهو نظير العقل الأول و به ارتبط لأن الوجود دائرة فكان ابتداء الدائرة وجود العقل الأول الذي ورد في الخبر أنه أول ما خلق اللّٰه العقل فهو أول الأجناس و انتهى الخلق إلى الجنس الإنساني فكملت الدائرة و اتصل الإنسان بالعقل كما يتصل آخر الدائرة بأولها فكانت دائرة و ما بين طرفي الدائرة جميع ما خلق اللّٰه من أجناس العالم بين العقل الأول الذي هو القلم أيضا و بين الإنسان الذي هو الموجود الآخر و لما كانت الخطوط الخارجة من النقطة التي في وسط الدائرة إلى المحيط الذي وجد عنها تخرج على السواء لكل جزء من المحيط كذلك نسبة الحق تعالى إلى جميع الموجودات نسبة واحدة فلا يقع هناك تغيير البتة كانت الأشياء كلها ناظرة إليه و قابلة منه ما يهبها نظر أجزاء المحيط إلى النقطة و أقام سبحانه هذه الصورة الإنسانية بالحركة المستقيمة صورة العمد الذي للخيمة فجعله لقبة هذه السموات فهو سبحانه يمسكها أن تزول بسببه فعبرنا عنه بالعمد فإذا فنيت هذه الصورة و لم يبق منها على وجه الأرض أحد متنفس وَ انْشَقَّتِ السَّمٰاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وٰاهِيَةٌ لأن العمد زال و هو الإنسان و لما انتقلت العمارة إلى الدار الآخرة بانتقال الإنسان إليها و خربت الدنيا بانتقاله عنها علمنا قطعا إن الإنسان هو العين المقصودة لله من العالم و أنه الخليفة حقا و أنه محل ظهور الأسماء الإلهية و هو الجامع لحقائق العالم كله من ملك و فلك و روح و جسم و طبيعة و جماد و نبات و حيوان إلى ما خص به من علم الأسماء الإلهية مع صغر حجمه و جرمه و إنما قال اللّٰه فيه بأن خلق اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّٰاسِ لكون الإنسان متولدا عن السماء و الأرض فهما له كالأبوين فرفع اللّٰه مقدارهما وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ فلم يرد في الجرمية فإن ذلك معلوم حسا

[ابتلاء الإنسان الأكبر]

غير أن اللّٰه تعالى ابتلاه ببلاء ما ابتلى به أحدا من خلقه إما لأن يسعده أو يشقيه على حسب ما يوفقه إلى استعماله فكان البلاء الذي ابتلاه به إن خلق فيه قوة تسمى الفكر و جعل هذه القوة خادمة لقوة أخرى تسمى العقل و جبر العقل مع سيادته على الفكر أن يأخذ منه ما يعطيه و لم يجعل للفكر مجالا إلا في القوة الخيالية و جعل سبحانه القوة الخيالية محلا

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 125
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست