لم يكن التأليف
النحويّ في عصر الخليل وقبله قد استقر أو أصبح له أصول وقواعد ، فالأمر كان في
حيّز البدايات التأليفية ، والبداية عادة تجربة خاضعة للفشل أو النجاح ، والخليل
في منظومته كان حريصا كل الحرص على الجانب التعليمي للمتلقي ، فجاء ذلك على حساب
القواعد النحوية غير المفصلة ، وحرم النحو العربي من تفصيلات كان في حاجة إليها ،
ربما كان صنيع الخليل موافقا للشادين في النحو ، الحريصين على سلامة الجملة بمعرفة
أقل القواعد وأيسرها دون التعمق في تفصيلات أو فلسفات نحوية أو ذكر تقسيمات نحوية
للظواهر المختلفة ، أما الدارسون الذين يطلبون النحو مفصلا ومعللا فلا يجدون ذلك
عند الخليل في منظومته ، ويبدو أن الخليل كان حريصا على أن يفرق في منظومته بين
مستويين :
(١) المستوى الأول : مستوى عوام الناس الذين يريدون تعلّم النحو ، ولا حاجة
لهم إلى تفصيلات ، أو الولوج في أعماق هذا البحر الخضم المتلاطم الأمواج ، وعلى
هؤلاء الحذر والأقتصاد في تناول المادة النحوية ، وقد أظهر ذلك في الأبيات الثلاثة
الأخيرة في المنظومة.
(٢) المستوى الثاني : مستوى الدارس المتخصص ، وفي هذه الحالة لا بد من التعمق
والبحث في المسائل الخلافية والعلل النحوية ، وعلى هؤلاء أن يلجوا الأعماق.
ويبدو واضحا أن
المنظومة جاءت لخطاب المستوى الأول ؛ لهذا كانت سماتها تتفق وهؤلاء ، وفيما يلي
نعرض لسمات التأليف النحوي عند الخليل في منظومته.
(١) جاءت
المنظومة بعيدة عن المسائل الخلافية التي كانت مثار حوار