اعلم أن القياس عبارة عن أقاويل مخصوصة
ألّفت تأليفا مخصوصا ونظمت نظما مخصوصا بشرط مخصوص يلزم منه رأي هو مطلوب الناظر ،
والخلل يدخل عليه تارة من الأقاويل التي هي مقدمات القياس إذ تكون خالية عن شروطها
وأخرى من كيفية الترتيب والنظم وإن كانت المقدمات صحيحة يقينية ، ومرة منهما
جميعا. ومثاله في المحسوس البيت المبني فإنه أمر مركّب تارة يختل بسبب في هيئة
التأليف ، بأن تكون الحيطان معوجة والسقف منخفضا إلى موضع قريب من الأرض ، فيكون
فاسدا من حيث الصورة ، وإن كانت الأحجاز والجزوع وسائر الآلات صحيحة. وتارة يكون
البيت صحيح الصورة في تربيعها ووضع حيطانها وسقفها ، ولكن يكون الاختلال من رخاوة
في الجزوع وتشعث في اللبنات. فهذا حكم القياس والحد وكل أمر مركب ، فإن الخلل فيه
إما أن يكون في هيئة تركيبه وترتيبه وإما أن يكون في الأصل الذي يرد عليه التركيب
، كالثوب في القميص والخشب في الكرسي واللبن في الحائط والجذوع في السقف.
وكما أن من يريد بناء بيت بعيد من الخلل
يفتقر إلى أن يعدّ الآلات المفردة أولا ، كالجذوع واللبن والطين ، ثم إذا أراد
اللبن يفتقر إلى إعداد مفرداته وهو الماء والتراب والقالب الذي فيه يضرب فيبتدئ
أولا بالأجزاء المفردة فيركّبها ثم يركّب المركب ، وهكذا إلى آخر العمل ، فكذلك
طالب القياس ينبغي أن ينظر في نظم القياس وفي صورته وفي الأمر الذي يضع الترتيب