فقال ابن زياد : كنت
قادراً على حفظهما عندك وإخباري بأمرهما لأرسل من يقبضهما منك ويخفيهما عن
عيون الناس حتّى يوصلهما إليّ ، فأُلهم الحارث حجراً وبقي ساكتاً.
فقال ابن زياد : وأين عثرت عليهما؟ قال :
في بيتي أخفتهما عجوز عندي ، فقال ابن زياد : تبّاً لك خفرت ذمّة الضيف ،
فقال الحارث : كلّا ، فقال ابن زياد :
ماذا قالا لك حين عزمت على قتلهما ، فأخبره بما قالا إلى أن استمهلاني حتّى
يصلّيا ركعتين ، ولمّا فرغا رفعا رؤوسهما إلى السماء وقالا : يا عدل يا
حكيم يا أحكم الحاكمين ، احكم بيني وبين من ظلمني. فقال ابن زياد : لقد حكم
الله بينكما.
ثمّ أقبل ابن زياد على غلام له يُدعى
مقاتل وقيل نادر ، وقا بعضهم : بل كان من ندمان عبيدالله ، وكان ابن زياد يعرفه بحبّ أهل البيت عليهمالسلام
ولكنّه لمّا كانت سيرته حسنة وكان من أهل الخير والصلاح لم يتشدّد عليه
ابن زياد ، وقال له : إنّ الحارث قتل ابني مسلم بدون إذني فخذه إليك وغُلّ
يديه من خلفه ثمّ خذه إلى مكان قتل الطفلين واقتله بأيّ نحو شئت ولا تترك
دمه يمازج دمائهما ، وخُذ سلبه إليك وهذه عشرة آلاف درهم أُجيزك بها وأنت
حرّ لوجه الله ، وآتني برأس عدوّ الله هذا وارم برأسي الطفلين هناك حيث رمى
بجسديهما.
فسرّ مقاتل من ذلك سروراً عظيماً وقال :
لو أعطاني ابن زياد سرير الملك لما اغتبطت هذه الغبطة ، وأمر عندئذ بغلّ
يديه إلى عنقه ، وانتزع عمامته من رأسه ، وأخذ به على سوق الكوفة ومرّ به
من هناك وكان قد أخرج رأسي الطفلين يريهما للناس ويخبرهم بما صنع الحارث
وهم يلعنونه ويبكون ، ولمّا بلغوا المكان وجدوا فتى قتيلاً وغلاماً غارقاً
بدمائه ، وامرأة مجروحة جرحاً بليغاً ، ولمّا علم
بما جرى لهم عجب من خبث الحارث وقسوته ، عند ذلك أقبل الحارث على مقاتل ،