الانفكاك عنه يجب عليه القصر من يوم تولّدهم إلى أن يموتوا ، إلّا أن
يكونوا أرباب ملك يستوطنون فيه كلّ سنة ستّة أشهر ، ولا بدّ أن يكون ذلك منزلا له
، وأين هذا ممّا ذكر من أنّ الأصل هو الإتمام ولا يمكن القصر إلّا بعد ثبوت كونه
مسافرا؟ ولا يكفي هذا أيضا ، بل لا بدّ من شرائط كثيرة لا يكفي واحد ولا اثنان ولا
ثلاثة ولا أربعة ولا خمسة ، وهكذا.
فالظاهر أنّ
مراد الفقهاء ـ ومنهم المصنّف رحمهالله ـ من هذا ، تعريف الوطن الذي عدّوه من القواطع للسفر ،
كما لا يخفى على من تأمّل كلامهم ، وليس مرادهم أنّ الإتمام والصيام مطلقا منحصر
في ما ذكر ، بل مرادهم تعريف الوطن الذي يكون المسافر يتمّ فيه إذا دخله مع كونه
على سفر ، لا حال كونه متوطنا فيه ، وهو وقت ستّة أشهر الذي استوطنه في ذلك الوقت
، بل حال وقت الاستيطان وكلوه إلى الظهور ، كسائر أوقات التوطّن والحضور ، وعدم
السفر الذي لا غبار ولا شبهة فيها ، ولا يحتاج إلى التنبيه. كما أنّهم ما عرفوا
معنى الحاضر ، ولا معنى المسافر ، ولا معنى الخروج عن البلد أو البيت أو الدار أو
الأهل ، وأمثال ذلك.
ويؤيّد ذلك
أيضا أنّ مستندهم في هذا الحكم لا يدلّ إلّا على ما ذكرناه من أنّه موضع يتمّ فيه
الصلاة والصيام ، لا أنّ إتمام الصلاة والصيام منحصر فيه محال في غيره ، على النهج
الذي ذكر.
وبالجملة ، كون
ما ذكرناه هو مراد الفقهاء ومقتضى أدلّتهم ممّا لا شبهة فيه بعد التأمّل وإمعان
النظر ، فمن لم يتأمّل يتوهّم الانحصار ، ويدّعي أنّ الإتمام لا يمكن شرعا إلّا في
الوطن الشرعي ، ومن لم يكن له وطن شرعي أو كان لكنّه ليس فيه يقصّر إلى أن يموت ،
ويجعل فرض جميع المكلّفين هو القصر ليس إلّا ، ويخرج من هذه الكلّية من له ملك
يكون ذلك الملك منزلا له ، ومع ذلك استوطنه ستّة أشهر