الحق عندنا :
أنّ الله تعالى ، إنّما فعل الأشياء المحكمة المتقنة لغرض وغاية ، ولا ريب أن نوع
الإنسان أشرف ما في العالم السفلي من الأجسام ، فيلزم تعلق الغرض بخلقه.
ولا يمكن أن
يكون ذلك الغرض حصول ضرر له ؛ إذ هذا إنّما يقع من الجاهل ، أو المحتاج ، تعالى
الله عن ذلك علوّا كبيرا ، فتعيّن أن يكون هو النفع.
ولا يجوز أن
يعود إليه سبحانه ، لاستغنائه وكماله ، فلا بدّ أن يكون عائدا إلى العبد.
وحيث كانت
المنافع الدنيوية في الحقيقة ليست بمنافع ـ وإنّما هي دفع آلام ، فلا يكاد يطلق
اسم النفع إلّا على ما ندر منها ـ لم يعقل أن يكون هو الغرض من إيجاد هذا المخلوق
الشريف ، سيما مع كونه منقطعا بالآلام المتضاعفة ، فلا بدّ وأن يكون الغرض شيئا
آخر ، ممّا يتعلّق بالمنافع الاخروية.
ولمّا كان ذلك
النفع ، من أعظم المطالب وأنفس المواهب ، لم يكن مبذولا لكلّ طالب ، بل إنّما يحصل
بالاستحقاق ، وهو لا يكون إلّا بالعمل في هذه الدار ، المسبوق بمعرفة كيفية العمل
، المشتمل عليها هذا العلم ، فكانت الحاجة إليه ماسّة جدا ، لتحصيل هذا النفع
العظيم.