قال لابراهيم عليه
السلام : انك تزعم ان ربك يحيي الموتى ، وأنه قد قال : ارسلك الي لتدعوني إلى
عبادته ، فاسأله ان يحيي لنا ميتا ان كان على ذلك قادرا ، فإن لم يفعل قتلتك. قال
ابراهيم (ع) : (رب ارني كيف تحيي الموتى) فيكون معنى قوله : (ولكن
ليطمئن قلبي)
على هذا الوجه ، أي لآمن من القتل ويطمئن قلبي بزوال الروع والخوف. وهذا الوجه
الذي ذكرناه وإن لم يكن مرويا على هذا الوجه فهو مجوز ، وإن اجاز صلح ان يكون وجها
في تأويل الآية مستأنفا متابعا. ووجه آخر : وهو أنه يجوز ان يكون ابراهيم انما سأل
احياء الموتى لقومه ليزول شكهم في ذلك وشبهتهم. ويجري مجرى سؤال موسى (ع) الرؤية
لقومه ، ليصدر منه تعالى الجواب على وجه يزيل منه شبهتهم في جواز الرؤية عليه
تعالى. ويكون قوله ليطمئن قلبي على هذا الوجه ، معناه ان نفسي تسكن إلى زوال شكهم
وشبهتهم ، أو ليطمئن قلبي إلى اجابتك إياي فيما اسألك فيه. وكل هذا جائز ، وليس في
الظاهر ما يمنع منه ، لان قوله : (ولكن ليطمئن قلبي) ما تعلق في ظاهر الآية بأمر لا يسوغ
العدول عنه مع التمسك بالظاهر ، وما تعلقت هذه الطمأنينة به غير مصرح بذكره ، قلنا
ان تعلقه بكل امر يجوز ان يتعلق به. فإن قيل : فما معنى قوله تعالى اولم تؤمن؟ وهذا
اللفظ استقبال. وعندكم أنه كان مؤمنا فيما مضى. قلنا معنى ذلك أو لم تكن قد آمنت؟
والعرب تأتي بهذا اللفظ ، وان كان في ظاهره الاستقبال ، وتريد به الماضي. فيقول
احدهم لصاحبه : أولم تعاهدني على كذا وكذا ، وتعاقدني على ان لا تفعل كذا وكذا؟
وإنما يريد الماضي دون المستقبل. فإن قيل : فما معنى قوله تعالى :(فخذ
اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا
واعلم ان الله عزيز حكيم)
، قلنا قد اختلف اهل العلم في معنى قوله تعالى (فصرهن اليك) ، فقال قوم : معنى قوله فصرهن : ادنهن
واملهن. قال الشاعر في وصف الابل : تظل معقلات السوق خرصا * تصور انوفها ريح