ويقدر). أي يوسع ويضيق. وقال تعالى : (واما
إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه)
أي ضيق ، والتضييق الذي قدره الله عليه هو ما لحقه من الحصول في بطن الحوت وما
ناله في ذلك من المشقة الشديدة إلى أن نجاه الله تعالى منها. وأما قوله تعالى :(فنادى
في الظلمات ان لا إله إلا انت سبحانك اني كنت من الظالمين) فهو على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى
والخشوع له والخضوع بين يديه ، لانه لما دعاه لكشف ما امتحنه به وسأله ان ينجيه من
الظلمات التي هي ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل ، فعل ما يفعله الخاضع
الخاشع من الانقطاع والاعتراف بالتقصير ، وليس لاحد ان يقول كيف يعترف بأنه كان من
الظالمين ولم يقع منه ظلم ، وهل هذا إلا الكذب بعينه؟ وليس يجوز ان يكذب النبي (ع)
في حال خضوع ولا غيره ، وذلك انه يمكن ان يريد بقوله اني كنت من الظالمين ، أي من
الجنس الذي يقع منهم الظلم ، فيكون صدقا ، وان ورد على سبيل الخضوع والخشوع لان
جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم. فان قيل : فأي فايدة في ان يضيف نفسه إلى
الجنس الذي يقع منهم الظلم إذا كان الظلم منتفيا عنه في نفسه؟. قلنا : الفايدة في
ذلك التطامن لله تعالى والتخاضع ونفي التكبر والتجبر ، لان من كان مجتهدا في رغبة
إلى مالك قدير ، فلابد من ان يتطأطأ ، ويجتهد في الخضوع بين يديه ، ومن اكبر
الخضوع أن يضيف نفسه إلى القبيل الذي يخطئون ويصيبون كما يقول الانسان ، إذا أراد
ان يكسر نفسه وينفي عنها دواعي الكبر والخيلاء : انما انا من البشر ولست من
الملائكة ، وأنا ممن يخطئ ويصيب. وهو لا يريد اضافة الخطأ إلى نفسه في الحال ، بل
يكون الفايدة ما ذكرناها. ووجه آخر : وهو انا قد بينا في قصة آدم عليه السلام لما
تأولنا قوله تعالى :(ربنا ظلمنا انفسنا) ان المراد بذلك انا نقصناها الثواب
وبخسناها حظها منه ، لان الظلم في اصل اللغة هو النقص والثلم ، ومن ترك المندوب
إليه. وهو لو فعله لاستحق الثواب ،