قد علم السّرائر ، وخبر الضّمائر ، له
الإحاطة بكلّ شىء ، والغلبة لكلّ شىء ، والقوّة على كلّ شىء. فليعمل العامل منكم
فى أيّام مهله. قبل إرهاق أجله [٢]
، وفى فراغه قبل أوان شغله ، وفى متنفّسه قبل أن يؤخذ بكظمه [٣] وليمهّد لنفسه وقدومه ، وليتزوّد من
دار ظعنه لدار إقامته ، فاللّه اللّه ، أيّها النّاس ، فيما استحفظكم من كتابه ، واستودعكم
من حقوقه ، فإنّ اللّه ، سبحانه لم يخلقكم عبثا ، ولم يترككم سدى ، ولم يدعكم فى
جهالة ولا عمى : قد سمّى
[٢] المهل ـ بفتحتين
ـ المهلة والتؤدة ، والارهاق : مصدر «أرهق الرجل» تقول : «أرهقه قرنه فى الحرب» إذا
غشيه ليقتله ، ومعنى «إرهاق الأجل» : أن يعجل المفرط عن تدارك ما فاته من العمل ، أى
: يحول بينه وبينه والكلام من اول قوله «فليعمل العامل» إلى قوله «لدار إقامته» مأخوذ
من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فى خطبته المشهورة ، وهى «أيها الناس ، إن
لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، وإن لكم غاية فانتهوا إلى غايتكم ، إن المؤمن بين
مخافتين : بين أجل قد مضى لا يدرى ما اللّه صانع به ، وأجل قد بقى لا يدرى ما
اللّه قاض فيه ، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته ، ومن الشبيبة قبل
الهرم ، ومن الحياة قبل الموت ، فو الذى نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ، وما
بعد الدنيا من دار ، إلا الجنة أو النار»
[٣] «فى متنفسه» أى
: فى سعة وقته ، يقال : «أنت فى متنفس؟؟؟ من أمرك» أى : فى سعة. والكظم ـ بالتحريك
ـ الحلق ، أو مخرج النفس ، والأخذ بالكظم : كناية عن التضييق عند مداركة الأجل
نام کتاب : نهج البلاغة - ط مطبعة الإستقامة نویسنده : عبده، محمد جلد : 1 صفحه : 147