من أحد وجهين إما أن تكون حيلة وقعت منه فلما أحس النبي ص
بذلك خرج مبادرا مع علته فنحاه عنها لكيلا يحتج بها بعده على أمته فيكونوا في ذلك
معذورين.
و إما أن تكون هو الذي
أمره بذلك و كان ذلك مفوضا إليه كما في قصة تبليغ براءة فنزل جبرئيل ع و قال لا
يؤديها إلا أنت أو رجل منك فبعث عليا في طلبه و أخذه منه و عزله عنها و عن تبليغها
فكذلك كانت قصة الصلاة و في الحالتين هو مذموم لأنه كشف عنه ما كان مستورا عليه و
في ذلك دليل واضح أنه لا يصلح للاستخلاف بعده و لا هو مأمون على شيء من أمر الدين
فقال الناس صدقت.
قال أبو جعفر مؤمن
الطاق يا ابن أبي حذرة ذهب دينك كله و فضحت حيث مدحت فقال الناس لأبي جعفر هات
حجتك فيما ادعيت من طاعة علي ع فقال أبو جعفر مؤمن الطاق أما من القرآن وصفا فقوله
عز و جل- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ[1] فوجدنا عليا
بهذه الصفة في القرآن في قوله عز و جل وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ
الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ يعني في الحرب و الشغب- أُولئِكَ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[2] فوقع الإجماع من
الأمة بأن عليا ع أولى بهذا الأمر من غيره لأنه لم يفر من زحف قط كما فر غيره في
غير موضع فقال الناس صدقت.
و أما الخبر عن رسول
الله ص نصا فَقَالَ: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ
بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي
فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ قَوْلُهُ ص
إِنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَ
مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ وَ مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ وَ مَنْ لَزِمَهَا
لَحِقَ[3] فالمتمسك
بأهل بيت رسول الله ص هاد مهتد بشهادة من الرسول- و المتمسك بغيرها ضال مضل.
قال الناس صدقت يا أبا
جعفر و أما من حجة العقل فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم و وجدنا الإجماع قد
وقع على علي ع بأنه كان أعلم أصحاب رسول الله ص و كان الناس يسألونه و يحتاجون
إليه و كان علي مستغنيا عنهم هذا من الشاهد و الدليل عليه من القرآن قوله عز و جل- أَ فَمَنْ
يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ
يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ[4].
[3] ذخائر العقبى ص 20: عن ابن عبّاس رضي اللّه
عنهما قال: قال رسول اللّه:« مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، و من تعلق
بها فاز، و من تخلف عنها غرق» أخرجه الملا في سيرته. قال الحجة الأميني في ج 2 ص
301 من الغدير: و حديث السفينة رواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 151 عن أبي ذر و
صححه بلفظ: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، و من تخلّف عنها غرق. و
أخرجه الخطيب في تاريخه ج 12 ص 91 عن أنس و البزار عن ابن عبّاس و ابن الزبير و
ابن جرير و الطبراني عن أبي ذر و أبي سعيد الخدري و أبو نعيم و ابن عبد البر و
محبّ الدين الطبريّ و كثيرون آخرون.