وَ عَطَّلَ السُّنَنَ وَ اتَّخَذَ الدُّنْيَا أُمّاً وَ أَباً وَ عِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا وَ مَالَهُ دُوَلًا وَ لَكِنَّ ذَلِكَ أَمْرُ مَلِكٍ أَصَابَ مُلْكاً فَتَمَتَّعَ مِنْهُ قَلِيلًا وَ كَانَ قَدِ انْقَطَعَ عَنْهُ فَاتَّخَمَ لَذَّتَهُ وَ بَقِيَتْ عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ وَ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ- مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ. ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ- وَ أَوْمَى بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ ثُمَّ قَامَ فَانْصَرَفَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلَّا شَيْنِي حِينَ أَمَرْتَنِي بِمَا أَمَرْتَنِي وَ اللَّهِ مَا كَانَ يَرَى أَهْلُ الشَّامِ أَنَّ أَحَداً مِثْلِي فِي حَسَبٍ وَ لَا غَيْرِهِ حَتَّى قَالَ الْحَسَنُ ع مَا قَالَ قَالَ عَمْرٌو وَ هَذَا شَيْءٌ لَا يُسْتَطَاعُ دَفْنُهُ وَ لَا تَغْيِيرُهُ لِشُهْرَتِهِ فِي النَّاسِ وَ اتِّضَاحِهِ فَسَكَتَ مُعَاوِيَةُ.
وَ رَوَى الشَّعْبِيُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقَامَ خَطِيباً فَقَالَ أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَخَطَبَ وَ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ إِلَّا جُعِلَ لَهُ وَصِيٌّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ- وَ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَ لَهُ عَدُوٌّ مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَ إِنَّ عَلِيّاً ع كَانَ وَصِيَّ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ وَ أَنْتَ ابْنُ صَخْرٍ وَ جَدُّكَ حَرْبٌ وَ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ وَ أُمُّكَ هِنْدٌ وَ أُمِّي فَاطِمَةُ وَ جَدَّتِي خَدِيجَةُ وَ جَدَّتُكَ نَثِيلَةُ فَلَعَنَ اللَّهُ أَلْأَمَنَا حَسَباً وَ أَقْدَمَنَا كُفْراً وَ أَخْمَلَنَا ذِكْراً وَ أَشَدَّنَا نِفَاقاً فَقَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ آمِينَ فَنَزَلَ مُعَاوِيَةُ فَقَطَعَ خُطْبَتَهُ.
وَ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بِالْكُوفَةِ قِيلَ لَهُ إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ مُرْتَفِعٌ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ فَلَوْ أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُومَ دُونَ مَقَامِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتُدْرِكَهُ الْحَدَاثَةُ وَ الْعِيُّ فَيَسْقُطَ مِنْ أَنْفُسِ النَّاسِ وَ أَعْيُنِهِمْ فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَ أَبَوْا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ- فَقَامَ دُونَ مَقَامِهِ فِي الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّكُمْ لَوْ طَلَبْتُمْ مَا بَيْنَ كَذَا وَ كَذَا لِتَجِدُوا رَجُلًا جَدُّهُ نَبِيٌّ لَمْ تَجِدُوا غَيْرِي وَ غَيْرَ أَخِي وَ إِنَّا أَعْطَيْنَا صَفْقَتَنَا هَذِهِ الطَّاغِيَةَ وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَعْلَى الْمِنْبَرِ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَ هُوَ فِي مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ ص مِنَ الْمِنْبَرِ وَ رَأَيْنَا حَقْنَ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلَ مِنْ إِهْرَاقِهَا- وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ هَذَا؟
فَقَالَ مَا أَرَدْتُ بِهِ إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَامَ مُعَاوِيَةُ فَخَطَبَ خُطْبَةً عييبة [عَيِيَّةً] فَاحِشَةً فَسَبَّ فِيهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَامَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع فَقَالَ لَهُ وَ هُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ أَ وَ أَنْتَ تَسُبُّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ سَبَّ عَلِيّاً فَقَدْ سَبَّنِي وَ مَنْ سَبَّنِي فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ وَ مَنْ سَبَّ اللَّهَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا مُخَلَّداً وَ لَهُ عَذَابٌ مُقِيمٌ ثُمَّ انْحَدَرَ الْحَسَنُ ع عَنِ الْمِنْبَرِ وَ دَخَلَ دَارَهُ وَ لَمْ يُصَلِّ هُنَاكَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَداً.
تم الجزء الأول من كتاب الإحتجاج بحمد الله و منه و يتلوه بمن الله و عونه الجزء الثاني