فَافْهَمْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ فَإِنِّي إِنَّمَا أَزِيدُكَ فِي الشَّرْحِ لِأُثْلِجَ فِي صَدْرِكَ وَ صَدْرِ مَنْ لَعَلَّهُ بَعْدَ الْيَوْمِ يَشُكُّ فِي مِثْلِ مَا شَكَكْتَ فِيهِ فَلَا يَجِدُ مُجِيباً عَمَّا يَسْأَلُ عَنْهُ لِعُمُومِ الطُّغْيَانِ وَ الِافْتِتَانِ وَ اضْطِرَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الْكِتَابِ إِلَى الِاكْتِتَامِ وَ الِاحْتِجَابِ خِيفَةَ أَهْلِ الظُّلْمِ وَ الْبَغْيِ أَمَا إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ الْحَقُّ فِيهِ مَسْتُوراً وَ الْبَاطِلُ ظَاهِراً مَشْهُوراً وَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِمْ أَعْدَاهُمْ لَهُ- وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ وَ عَظُمَ الْإِلْحَادُ وَ ظَهَرَ الْفَسادُ ... هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَ نَحَلَهُمُ الْكُفَّارُ أَسْمَاءَ الْأَشْرَارِ فَيَكُونُ جُهْدَ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْفَظَ مُهْجَتَهُ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ ثُمَّ يُتِيحُ اللَّهُ الْفَرَجَ لِأَوْلِيَائِهِ وَ يُظْهِرُ صَاحِبَ الْأَمْرِ عَلَى أَعْدَائِهِ وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فَذَلِكَ حُجَّةُ اللَّهِ أَقَامَهَا عَلَى خَلْقِهِ وَ عَرَّفَهُمْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَجْلِسَ النَّبِيِّ إِلَّا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَ لَا يَتْلُوهُ إِلَّا مَنْ يَكُونُ فِي الطَّهَارَةِ مِثْلَهُ لِئَلَّا يَتَّسِعَ لِمَنْ مَاسَّهُ حِسُّ الْكُفْرِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ انْتِحَالَ الِاسْتِحْقَاقِ بِمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ ص- وَ لِيَضِيقَ الْعُذْرُ عَلَى مَنْ يُعِينُهُ عَلَى إِثْمِهِ وَ ظُلْمِهِ إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدْ حَظَرَ عَلَى مَنْ مَاسَّهُ الْكُفْرُ تَقَلُّدَ مَا فَوَّضَهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ بِقَوْلِهِ لِإِبْرَاهِيمَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ أَيِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ سَمَّى الشِّرْكَ ظُلْماً بِقَوْلِهِ- إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فَلَمَّا عَلِمَ إِبْرَاهِيمُ ع أَنَّ عَهْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اسْمُهُ بِالْإِمَامَةِ لَا يَنَالُ عَبَدَةَ الْأَصْنَامِ قَالَ وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ وَ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ آثَرَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى الصَّادِقِينَ وَ الْكُفَّارَ عَلَى الْأَبْرَارِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً إِذَا كَانَ قَدْ بُيِّنَ فِي كِتَابِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُحِقِّ وَ الْمُبْطِلِ وَ الطَّاهِرِ وَ النَّجِسِ وَ الْمُؤْمِنِ وَ الْكَافِرِ وَ أَنَّهُ لَا يَتْلُو النَّبِيَّ عِنْدَ فَقْدِهِ إِلَّا مَنْ حَلَّ مَحَلَّهُ صِدْقَاً وَ عَدْلًا وَ طَهَارَةً وَ فَضْلًا وَ أَمَّا الْأَمَانَةُ الَّتِي ذَكَرْتَهَا فَهِيَ الْأَمَانَةُ الَّتِي لَا تَجِبُ وَ لَا تَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا فِي الْأَنْبِيَاءِ وَ أَوْصِيَائِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ائْتَمَنَهُمْ عَلَى خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُمُ حُجَجاً فِي أَرْضِهِ و السامري [فَبِالسَّامِرِيِ] وَ مَنِ أجمع [اجْتَمَعَ] مَعَهُ وَ أَعَانَهُ مِنَ الْكُفَّارِ عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ عِنْدَ غَيْبَةِ مُوسَى مَا تَمَّ انْتِحَالُ مَحَلِّ مُوسَى مِنَ الطَّغَامِ وَ الِاحْتِمَالُ لِتِلْكَ الْأَمَانَةِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي إِلَّا لِطَاهِرٍ مِنَ الرِّجْسِ فَاحْتَمَلَ وِزْرَهَا وَ وِزْرَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ مِنَ الظَّالِمِينَ وَ أَعْوَانِهِمْ وَ لِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ ص وَ مَنِ اسْتَنَّ سُنَّةَ حَقٍّ كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنَ النَّبِيِّ ص شَاهِدٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي قِصَّةِ قَابِيلَ قَاتِلِ أَخِيهِ- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً- وَ لِلْإِحْيَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَأْوِيلٌ فِي الْبَاطِنِ لَيْسَ كَظَاهِرِهِ وَ هُوَ مَنْ هَدَاهَا لِأَنَّ الْهِدَايَةَ هِيَ حَيَاةُ الْأَبَدِ وَ مَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ حَيّاً لَمْ يَمُتْ أَبَداً إِنَّمَا يَنْقُلُهُ مِنْ دَارِ مِحْنَةٍ إِلَى دَارِ رَاحَةٍ وَ مِنْحَةٍ وَ أَمَّا مَا كَانَ مِنَ الْخِطَابِ بِالانْفِرَادِ مَرَّةً وَ بِالْجَمْعِ مَرَّةً مِنْ صِفَةِ الْبَارِي جَلَّ ذِكْرُهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اسْمُهُ عَلَى مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ بِالانْفِرَادِ وَ الْوَحْدَانِيَّةِ هُوَ النُّورُ الْأَزَلِيُّ الْقَدِيمُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا يَتَغَيَّرُ وَ يَحْكُمُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ وَ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَ لَا مَا خَلَقَ زَادَ فِي مُلْكِهِ وَ عِزِّهِ وَ لَا نَقَصَ مِنْهُ مَا لَمْ يَخْلُقْهُ وَ إِنَّمَا أَرَادَ بِالْخَلْقِ إِظْهَارَ قُدْرَتِهِ وَ إِبْدَاءَ سُلْطَانِهِ وَ تَبْيِينَ بَرَاهِينِ حِكْمَتِهِ