أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَ لَا تَتَفَرَّقُوا فَتَضِلُّوا وَ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ- قَدْ أَنْذَرْتُكُمْ وَ دَعَوْتُكُمْ وَ أَرْشَدْتُكُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ وَ مَا تَخْتَارُونَ.
احتجاج أمير المؤمنين ع على الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله لما أزمعا على الخروج عليه و الحجة في أنهما خرجا من الدنيا غير تائبين من نكث البيعة
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ قَاعِداً عِنْدَ عَلِيٍّ ع حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ فَاسْتَأْذَنَاهُ فِي الْعُمْرَةِ فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُمَا وَ قَالَ قَدِ اعْتَمَرْتُمَا فَأَعَادَا عَلَيْهِ الْكَلَامَ فَأَذِنَ لَهُمَا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا يُرِيدَانِ الْعُمْرَةَ وَ إِنَّمَا يُرِيدَانِ الْغَدْرَةَ- قُلْتُ لَهُ فَلَا تَأْذَنْ لَهُمَا فَرَدَّهُمَا ثُمَّ قَالَ لَهُمَا وَ اللَّهِ مَا تُرِيدَانِ الْعُمْرَةَ وَ مَا تُرِيدَانِ إِلَّا نَكْثاً لِبَيْعَتِكُمَا وَ فُرْقَةً لِأُمَّتِكُمَا فَحَلَفَا لَهُ فَأَذِنَ لَهُمَا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا يُرِيدَانِ الْعُمْرَةَ قُلْتُ فَلِمَ أَذِنْتَ لَهُمَا؟ قَالَ حَلَفَا لِي بِاللَّهِ قَالَ فَخَرَجَا إِلَى مَكَّةَ فَدَخَلَا عَلَى عَائِشَةَ فَلَمْ يَزَالا بِهَا حَتَّى أَخْرَجَاهَا.
وَ رُوِيَ أَنَّهُ ع عِنْدَ تَوَجُّهِهِمَا إِلَى مَكَّةَ لِلِاجْتِمَاعِ مَعَ عَائِشَةَ لِلتَّأْلِيبِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَ أَثْنَى عَلَيْهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بَعَثَ مُحَمَّداً ص لِلنَّاسِ كَافَّةً وَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ بِهِ[1] وَ بَلَّغَ رِسَالاتِ رَبِّهِ فَلَمَّ بِهِ الصَّدْعُ[2] وَ رَتَقَ بِهِ الْفَتْقُ[3] وَ أُمِنَ بِهِ السُّبُلُ[4] وَ حُقِنَ بِهِ الدِّمَاءُ[5] وَ أُلِّفَ بَيْنَ ذَوِي الْإِحَنِ[6] وَ الْعَدَاوَةِ وَ الْوَغْرِ فِي الصُّدُورِ وَ الضَّغَائِنِ الرَّاسِخَةِ فِي الْقُلُوبِ ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ حَمِيداً لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْغَايَةِ الَّتِي إِلَيْهَا أَدَّى الرِّسَالَةَ وَ لَا بَلَّغَ شَيْئاً كَانَ فِي التَّقْصِيرِ عَنْهُ عِنْدَ الْفَقْدِ وَ كَانَ مِنْ بَعْدِهِ مَا كَانَ مِنَ التَّنَازُعِ فِي الْإِمْرَةِ وَ تَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَ بَعْدَهُ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ أَتَيْتُمُونِي فَقُلْتُمْ بَايِعْنَا فَقُلْتُ لَا أَفْعَلُ فَقُلْتُمْ بَلَى فَقُلْتُ لَا وَ قَبَضْتُ يَدِي فَبَسَطْتُمُوهَا وَ نَازَعْتُكُمْ فَجَذَبْتُمُوهَا وَ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكَّ الْإِبِلِ الْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وُرُودِهَا- حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّكُمْ قَاتِلِيَّ وَ أَنَّ بَعْضَكُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ فَبَسَطْتُ يَدِي فَبَايَعْتُمُونِي مُخْتَارِينَ وَ بَايَعَنِي فِي أَوَّلِكُمْ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ طَائِعَيْنِ غَيْرَ مُكْرَهَيْنِ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثَا أَنِ اسْتَأْذَنَانِي فِي الْعُمْرَةِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا أَرَادَا الْغَدْرَةَ فَجَدَّدْتُ عَلَيْهِمَا الْعَهْدَ فِي الطَّاعَةِ وَ أَنْ لَا يَبْغِيَا لِلْأُمَّةِ الْغَوَائِلَ فَعَاهَدَاني ثُمَّ لَمْ يَفِيَا لِي وَ نَكَثَا بَيْعَتِي وَ نَقَضَا عَهْدِي فَعَجَباً مِنِ انْقِيَادِهِمَا لِأَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ خِلَافِهِمَا لِي وَ لَسْتُ بِدُونِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ اللَّهُمَّ اغْضَبْ عَلَيْهِمَا بِمَا صَنَعَا وَ ظَفِّرْنِي بِهِمَا وَ قَالَ ع فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ آخَرَ-
[1] صدع بالأمر: أبانه و أظهره.
[2] الصدع: الكسر.
[3] الرتق: ضد الفتق و هو: الالتيام.
[4] السبل: الطرق.
[5] حقنت دمه: خلاف هدرته، كأنّك جمعته في صاحبه.
[6] الإحن: الضغائن.