نام کتاب : دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم نویسنده : محمد بيومي مهران جلد : 1 صفحه : 402
وجد هذا الوسيط ممثلا في مدينة مكة [١] ، التي حظيت منذ منتصف القرن الخامس الميلادي بمكانة
سامية بين عرب الشمال ، فضلا عن طرفي الصراع الدولي (الفرس والروم) في تلك الفترة
، وساعد على ذلك رغبة الفريقين المتنازعين في وجود مثل هذا الوسيط المحايد من
ناحية ، وبعد مكة وصعوبة الوصول إليها من ناحية أخرى.
غير أن الحبشة ـ
بتأثير من الروم على ما يبدو ـ لم تكن ترى هذا الرأي ، إذ كانت حريصة على ان تحتكر
هذا المصدر الاقتصادي الهام لنفسها ، ومن ثم كانت حملة أبرهة للاستيلاء على مكة [٢] ، وبالتالي السيطرة على التجارة القادمة من الجنوب إلى
الشمال ، عن طريق مكة ، ولعل ذلك قد حدث بعد فشل مشروع تحويل العرب من الكعبة إلى
القليس ، وما كان يرجى من وراء ذلك من مكاسب مادية ودينية وأدبية.
وأما الأسباب
السياسية ، فلعل أهمها أن الاستيلاء على مكة ، إنما يعني إزاحة عقبة كئود ، كانت
تقف حائلا بين اتصال الأحباش في اليمن بحلفائهم البيزنطيين في الشمال ، وربما كانت
بيزنطة تقف بكل قوتها وراء هذا المشروع الخطير ، بل أن هناك ما يشير إلى أن ذلك
إنما كان كذلك ، فنجاح هذا المشروع يجعل العربية الغربية كلها تحت نفوذ النصرانية
، كما أن أبرهة يستطيع ، بعد فتح مكة ، أن يزحف نحو الشرق ، ومن ثم يمكنه إلى حد
كبير أن يقضي على النفوذ الفارسي في العربية الشرقية ، وبالتالي طرد الفرس من بلاد
العرب وجعل النفوذ الأجنبي فيها مقصورا على النفوذ الحبشي الرومي.
[١] احمد إبراهيم
الشريف : مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول ، القاهرة ١٩٦٥ ص ١٥٤ S. A. Huzayyin, Arabia and the Far East, Cairo, ٢٤٩١, P. P. ٢٤١ ـ ٣٤١
[٢] احمد إبراهيم
الشريف : المرجع السابق ص ١٥٥ ، جواد علي ٣ / ٥١٨.
نام کتاب : دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم نویسنده : محمد بيومي مهران جلد : 1 صفحه : 402