(وَطُورِ سِينِينَ) يعني : الجبل الّذي ناجى عليه موسى عليهالسلام ربّه. وسينين وسيناء اسمان للموضع الّذي هو فيه. وأضيف
الطور ـ وهو الجبل ـ إلى سينين ، وهي البقعة. وهو سينون أيضا. ومثله : يبرون ، في
جواز الإعراب بالواو والياء ، والإقرار على الياء ، وتحريك النون بحركات الإعراب.
(وَهذَا الْبَلَدِ
الْأَمِينِ) أي : الآمن. من : أمن الرجل أمانة فهو أمين. وأمانته أن
يحفظ من دخله ، كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه. ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول ،
من : أمنه ، لأنّه مأمون الغوائل ، كما وصف بالأمين في قوله : (حَرَماً آمِناً)[١] بمعنى : ذي أمن.
ولمّا كان منبت
التين والزيتون مهاجر إبراهيم ومولد عيسى ومنشأه ، والطور المكان الّذي نودي منه
موسى ، ومكّة مكان البيت الّذي هو هدى للعالمين ، ومولد رسول الله ومبعثه ، وكلّها
مواضع خير وبركة وسكنى الأنبياء ، أقسم الله تعالى بها على أنّه (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) يريد به الجنس (فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ) تعديل ، بأن خصّ بانتصاب القامة ، وحسن الصورة ، وتسوية
الأعضاء ، واستجماع خواصّ الكائنات وسائر الممكنات.
(ثُمَّ رَدَدْناهُ
أَسْفَلَ سافِلِينَ) أي : ثمّ كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمة تلك الخلقة
الحسنة القويّة السويّة ، أن رددناه أسفل من سفل خلقا وتركيبا ، يعني : أقبح من
قبح صورة وأشوهه خلقة ، وهم أصحاب النار. أو أسفل من سفل من أهل الدركات. أو ثمّ
رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في حسن الصورة والشكل ، حيث نكسناه
في خلقه ، فقوّس ظهره بعد اعتداله ، وابيضّ شعره بعد