ولمّا قدّم في
سورة الشمس بيان حال المؤمن والكافر ، أتبعه سبحانه بمثل ذلك في هذه السورة ،
فاتّصلت بها اتّصال النظير بالنظير ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) أي : يغشى الشمس ، كقوله :
(وَاللَّيْلِ إِذا
يَغْشاها)[١]. أو النهار ، كقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ
النَّهارَ)[٢]. أو كلّ ما يواريه بظلامه ، كقوله : (إِذا وَقَبَ)[٣].
(وَالنَّهارِ إِذا
تَجَلَّى) ظهر بزوال ظلمة الليل ، أو تبيّن وانكشف بطلوع الشمس.
وهما أعظم النعم ، إذ لو كان الدهر كلّه ظلاما لما أمكن الخلق طلب معايشهم ، ولو
كان كلّه ضياء لما انتفعوا بسكونهم وراحتهم ، فلذلك كرّر سبحانه ذكر الليل والنهار
في السورتين.
(وَما خَلَقَ
الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) والقادر العظيم القدرة الّذي خلق من ماء واحد صنفي
الذكر والأنثى ، من كلّ نوع له توالد. أو آدم وحوّاء. وقيل : «ما» مصدريّة ، أي :
وخلقهما. وجاز إضمار اسم الله ، لأنّه معلوم لانفراده بالخلق ، إذ لا خالق سواه.
قيل : إنّ الله
لم يخلق خلقا من ذوي الأرواح ليس بذكر ولا أنثى. والخنثى وإن أشكل أمره عندنا ،
فهو عند الله غير مشكل ، بل معلوم بالذكورة أو الأنوثة.
(إِنَّ سَعْيَكُمْ
لَشَتَّى) إنّ مساعيكم لأشتات مختلفة. جمع شتيت. يعني : أعمالكم
مختلفة ، فعمل للجنّة ، وعمل للنار.