ولمّا ختم الله
سورة الفجر بذكر النفس المطمئنّة ، بيّن في هذه السورة وجه الاطمينان ، وأنّه
النظر في طريق معرفة الله تعالى ، وأكّد ذلك بالقسم ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) بمكّة (وَأَنْتَ حِلٌّ
بِهذَا الْبَلَدِ) أقسم سبحانه بالبلد الحرام ، وقد قيّده بحلول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه ، إظهارا لمزيد فضله ، وإشعارا بأنّ شرف المكان
بشرف أهله.
وقيل : «حلّ»
أي : مستحلّ تعرّضك فيه ، كما يستحلّ تعرّض الصيد في غير الحرم. كما روي عن شرحبيل
معناه : يحرّمون أن يقتلوا بها صيدا ، ويعضدوا بها شجرة ، ويستحلّون إخراجك وقتلك.
وفيه تثبيت من
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكّة ، وتعجيب
من حالهم في عداوته.
ومثل ذلك مرويّ
عن أبي عبد الله عليهالسلام ، فإنّه قال : «كانت قريش تعظّم البلد ، وتستحلّ محمّدا
صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه ، فقال سبحانه : (لا أُقْسِمُ بِهذَا
الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ). يريد : أنّهم استحلّوك فيه ، فكذّبوك وشتموك ، وكانوا
لا يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه ، ويتقلّدون لحاء [١] شجر الحرم ، فيأمنون بتقليدهم إيّاه ، فاستحلّوا