ولمّا ختم سورة
الغاشية بأنّ إياب الخلق إليه وحسابهم عليه ، افتتح هذه السورة بتأكيد ذلك المعنى
حين أقسم أنّه بالمرصاد ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالْفَجْرِ) أقسم بمطلق الصبح في الأيّام ، كما أقسم في قوله : (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ)[١]. أو بمطلق فلقه ، كقوله : (وَالصُّبْحِ إِذا
تَنَفَّسَ)[٢]. أو بصلاة الفجر ، أو بفجر يوم النحر ، أو بفجر عرفة ،
أو فجر أوّل ذي الحجّة ، أو فجر أوّل المحرّم. والأوّل أشمل وأعمّ ، ومنقول عن
عكرمة والحسن والجبائي ، ورواه أبو صالح عن ابن عبّاس.
(وَلَيالٍ عَشْرٍ) عشر ذي الحجّة ، على ما نقل عن مجاهد والضحّاك وابن
عبّاس والحسن وقتادة والسدّي. ولذلك فسّر الفجر بفجر عرفة أو النحر. وقيل : عشر
رمضان الأخير. ولأنّها ليال مخصوصة من بين جنس الليالي العشر ، أو مخصوصة بفضيلة
ليست لغيرها ، وقعت منكّرة من بين ما أقسم به. ولو عرّفت بلام العهد ، لأنّها ليال
معلومة معهودة ، لم تستقلّ بمعنى الفضيلة الّذي في التنكير ، فإنّ التنكير للتعظيم
والتفخيم. ولأنّ الأحسن أن تكون اللامات متجانسة ، ليكون الكلام أبعد من الألغاز
والتعمية ، فيوهم أنّ المراد جنس العشرات لا العشرات المعيّنة المطلوبة.