واعلم أنّه
سبحانه لمّا ختم سورة المرسلات بذكر القيامة ووعيد المكذّبين بها ، افتتح هذه
السورة بذكرها وذكر دلائل القدرة على البعث والإعادة ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * عَمَّ يَتَساءَلُونَ) أصله : عن ما ، على أنّه حرف جرّ دخل على «ما»
الاستفهاميّة ، فحذف الألف تخفيفا ، لكثرة استعماله. ومثله : فيم ، وبم ، ولم ،
وإلى م ، وعلى م ، ومتى م ، وفي هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه ، كأنّه
لفخامته خفي جنسه ، فيسأل عنه. والمعنى : عن أيّ شيء يتساءلون. ونحوه ما في قولك :
زيد ما زيد؟ جعلته لانقطاع قرينه وعدم نظيره كأنّه شيء خفي عليك جنسه ، فتسأل عن
جنسه وتفحص عن جوهره ، كما تقول : ما العنقاء وما الغول؟ تريد : أيّ شيء هو من
الأشياء؟ هذا أصله ، ثمّ جرّد عن التفخيم حتّى وقع في كلام من لا تخفى عليه خافية.
والضمير لأهل مكّة ، كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم ، أو يسألون الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين عنه استهزاء ، كقولهم : يتداعونهم ويتراءونهم
، أي : يدعونهم ويرونهم.
وقوله : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) بيان للشأن المفخّم. أو صلة «يتساءلون» و «عمّ» متعلّق
بمضمر مفسّر به ، كشيء يبهم ثمّ يفسّر ، كأنّه قال : عمّ يتساءلون؟ يتساءلون عن
النبأ العظيم. ويدلّ عليه قراءة ابن كثير ويعقوب : عمّه ، بهاء السكت للوقف ، ثمّ
الابتداء بقوله : (يَتَساءَلُونَ عَنِ
النَّبَإِ الْعَظِيمِ).
(الَّذِي هُمْ فِيهِ
مُخْتَلِفُونَ) بجزم النفي وبالشكّ فيه ، فإنّه كان فيهم من يقطع القول
بإنكار البعث ، ومنهم من يشكّ.
وقيل : الضمير
للمسلمين والكافرين جميعا. وكانوا جميعا يسألون عنه ، أمّا