ثمّ أمر سبحانه
نبيّه بالصبر عن التأذّي من أقوال الكفّار وأفعال الأشرار ، فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) مفرّقا منجّما لحكمة اقتضته. وتكرير الضمير مع «أنّ»
فيه تأكيد على تأكيد لمعنى اختصاص الله بالتنزيل ، ليتقرّر في نفس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه إذا كان هو المنزّل لم يكن تنزيله على أيّ وجه
إلّا حكمة وصوابا. كأنّه قيل : ما نزّل عليك القرآن تنزيلا مفرّقا منجّما إلّا أنا
لا غيري ، وقد عرفتني حكيما فاعلا لكلّ ما أفعله بدواعي الحكمة. ولقد دعتني حكمة
بالغة إلى أن أنزل عليك الأمر بالمكافّة والمصابرة ، وسأنزل عليك الأمر بالانتقام
والقتال بعد حين.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ
رَبِّكَ) الصادر عن الحكمة الّتي من جملتها تعليقه الأمور
بالمصالح ، وتأخير نصرك على كفّار مكّة وغيرهم (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ
آثِماً أَوْ كَفُوراً) أي : كلّ واحد من مرتكب الإثم الداعي لك إليه ، ومن
الغالي في الكفر الداعي لك إليه ، فإنّهم إمّا أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل هو
إثم أو كفر ، أو غير إثم ولا كفر ، فنهي أن لا يساعدهم على الاثنين دون الثالث.