واعلم أنّه
سبحانه أمر رسوله في أوّل السورة [١] باستفتاء قريش عن وجه إنكارهم البعث ، وساق الكلام في
تقريره إلى ما يلائمه من القصص موصولا بعضها ببعض ، ثمّ أمر باستفتائهم عن وجه
القسمة الضيزى ، حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين. فقال عطفا على الأمر
باستفتائهم المذكور : (فَاسْتَفْتِهِمْ) أيّ : سلهم واطلب الحكم منهم ، تهكّما وتقريعا (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) أي : كيف أضافوا البنات إلى الله تعالى ، واختاروا لأنفسهم البنين؟ وهؤلاء
زادوا على الشرك ضلالات أخر : التجسيم ، وتجويز الفناء على الله تعالى ، فإنّ
الولادة مخصوصة بالأجسام الكائنة الفاسدة. وتفضيل أنفسهم عليه ، حيث جعلوا أوضح
الجنسين له ، وأرفعهما لهم. واستهانتهم بالملائكة الّذين أكرم خلق الله وأقربهم
إليه ، حيث أنّثوهم. ولذلك كرّر الله تعالى إنكار ذلك وإبطاله في كتابه مرارا ،
وجعله ممّا تكاد السماوات يتفطّرن منه ، وتنشقّ الأرض ، وتخرّ الجبال هدّا.
(أَمْ خَلَقْنَا) أي : بل خلقنا (الْمَلائِكَةَ إِناثاً
وَهُمْ شاهِدُونَ) حاضرون عند خلقنا إيّاهم؟ أي : كيف يجعلونهم إناثا ولم
يشهدوا خلقهم؟ وإنّما خصّ علم المشاهدة ، لأنّ أمثال ذلك لا تعلم إلّا بها ، فإنّ
الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم ليمكن