ثمّ ضرب للكافر
والمؤمن مثلا آخر ، كما ضرب لهما البحرين مثلا ، فقال :
(وَما يَسْتَوِي
الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) قيل : هما مثلان للصنم ولله تعالى (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) ولا الباطل ولا الحقّ (وَلَا الظِّلُّ وَلَا
الْحَرُورُ) ولا الثواب ولا العقاب. و «لا» لتأكيد نفي الاستواء.
وتكريرها على الشّقين لمزيد التأكيد. والحرور فعول من الحرّ ، غلّب على السموم.
وقيل : السموم ما تهبّ نهارا ، والحرور ما تهبّ ليلا.
ثمّ مثّل
تمثيلا آخر للمؤمنين والكافرين ، أبلغ من الأوّل والثاني ، فقال : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) قيل : هذا تمثيل للعلماء والجهلاء. (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) أي : إنّه قد علم من يدخل في الإسلام ممّن لا يدخل فيه
، فيهدي الّذي قد علم أنّ الهداية تنفع فيه ، ويخذل من علم أنّها لا تنفع فيه (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ترشيح لتمثيل المصرّين على الكفر بالأموات ، ومبالغة في
إقناطه عنهم.
والمعنى : يا
محمّد قد خفي عليك أمرهم ، فلذلك تحرص وتتهالك على إسلام قوم من المخذولين. ومثلك
في ذلك مثل من لا يريد أن يسمع المقبورين وينذر ، وذلك ما لا سبيل إليه.
(إِنْ أَنْتَ إِلَّا
نَذِيرٌ) فما عليك إلّا الإنذار ، وأمّا الإسماع فلا إليك ، ولا
حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم.
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ
بِالْحَقِ) حال من أحد الضميرين ، أي : محقّين ، أو محقّا. أو صفة
للمصدر ، أي : إرسالا مصحوبا بالحقّ. ويجوز أن يكون صلة لقوله : (بَشِيراً وَنَذِيراً) أي : بشيرا بالوعد الحقّ ، ونذيرا بالوعيد الحقّ.
(وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ) من جماعة كثيرة من أهل كلّ عصر ، فإنّ كلّ عصر أمّة (إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) مضى فيها نبيّ ، أو عالم ينذرهم عنه سبحانه. فإذا
اندرست آثار