ثمّ فصّل بعض
تلك النعم ، كما فصّل بعض مساويهم المدلول عليها إجمالا بالإنكار في «ألا تتّقون»
مبالغة في الإيقاظ والحثّ على التقوى ، فقال :
(أَمَدَّكُمْ
بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) قرنها بالبنين ، لأنّهم الّذين يعينونهم على حفظها
والقيام عليها (وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).
ثمّ أوعدهم
فقال : (إِنِّي أَخافُ
عَلَيْكُمْ) إن عصيتموني (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) في الدنيا والآخرة ، فإنّه كما قدر على الإنعام قدر على
الانتقام. ووصف اليوم بالعظيم ، لما فيه من الأهوال العظيمة.
(قالُوا سَواءٌ
عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) أنهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا. والمعنى : لا نقبل
ما تدعونا إليه على كلّ حال ، وعظت أم سكتّ ، فإنّ حصول الوعظ منك وارتفاعه
مستويان عندنا. ولو علم أنّه قيل : أوعظت أم لم تعظ ، لكان أخصر. لكن لم يكن فيه
مبالغة ، كما كانت في قوله : (أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ
الْواعِظِينَ) لأنّ المعنى : سواء علينا أفعلت هذا الفعل الّذي هو
الوعظ ، أم لم تكن أصلا من أهله ومباشريه. فهو أبلغ في قلّة اعتدادهم بوعظه من
قوله : أم لم تعظ.
(إِنْ هذا) ما هذا الّذي جئتنا به (إِلَّا خُلُقُ
الْأَوَّلِينَ) إلّا اختلاق الأوّلين ، أي : كذبهم ، كما قالوا :
أساطير الأوّلين. أو ما خلقنا هذا إلّا خلق القرون الخالية ، نحيا ونموت كما حيوا
وماتوا ، ولا بعث ولا حساب.
وقرأ نافع وابن
عامر وعاصم وحمزة : خلق بضمّتين ، بمعنى العادة ، أي ما هذا الّذي جئت به إلّا
عادة الأوّلين ، كانوا يلفّقون مثله ويسطّرونه. أو ما هذا الّذي نحن عليه من
الدّين إلّا خلق الأوّلين وعادتهم ، ونحن بهم مقتدون. أو ما هذا الّذي نحن عليه من
الحياة والموت إلّا عادة قديمة ، لم يزل الناس عليها في قديم الدهر.
(وَما نَحْنُ
بِمُعَذَّبِينَ) على ما نحن عليه (فَكَذَّبُوهُ
فَأَهْلَكْناهُمْ) بسبب التكذيب بريح صرصر (إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ