عندك ، إذ لم تجر العادة أن ينشأ الإنسان بين قوم يشاهدون أحواله من عند
صغره إلى كبره ، ويرونه في حضره وسفره ، لا يتعلّم شيئا من غيره ، ثمّ يأتي من
عنده بشيء يعجز الكلّ عنه وعن بعضه ، ويقرأ عليهم أقاصيص الأوّلين.
وإنّما سمّاهم
مبطلين ، لأنّهم كفروا به وهو أمّيّ بعيد من الريب. فكأنّه قال : هؤلاء المبطلون
في كفرهم به.
وأيضا لمّا كان
الأنبياء لم يكونوا أمّيّين ، ووجب الإيمان بهم وبما جاؤا به ، لكونهم مصدّقين من
جهة الحكيم بالمعجز ، فهب أنّه قارئ كاتب ، فما لهم لم يؤمنوا به من الوجه الّذي
آمنوا منه بموسى وعيسى؟ على أنّ المنزلين ليسا بمعجزين ، وهذا المنزل معجز. فإذا
هم مبطلون حيث لا يؤمنون به وهو أمّيّ.
قال الشريف
الأجلّ المرتضى علم الهدى قدسسره : «هذه الآية تدلّ على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ما كان يحسن الكتابة قبل النبوّة. فأمّا بعدها فالّذي
نعتقده في ذلك التجويز ، لكونه عالما بالقراءة والكتابة بعد ذلك ، لأنّ ظاهر الآية
يقتضي أن النفي قد تعلّق بما قبل النبوّة ، دون ما بعدها. ولأنّ التعليل في الآية
يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوّة ، لأنّ المبطلين إنّما يرتابون في نبوّته لو
كان يحسن الكتابة قبل النبوّة ، فأمّا بعد النبوّة فلا تعلّق له بالريبة والتهمة ،
فيجوز أن يكون قد تعلّمها من جبرئيل عليهالسلام بعد النبوّة» [١].
ثمّ قال سبحانه
: (بَلْ هُوَ) أي : القرآن (آياتٌ بَيِّناتٌ) دلالات واضحات (فِي صُدُورِ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ) في صدور العلماء به وحفّاظه. وهم النبيّ والمؤمنون به ،
لأنّهم حفظوه ، فلا يقدر أحد على تحريفه. وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام : «الأئمّة من آل محمّد صلّى الله عليهم أجمعين».
قال قتادة :
أعطي هذه الأمّة الحفظ ، ومن كان قبلها لا يقرءون الكتاب إلّا نظرا.