ثمّ بيّن قدرة
اخرى من أقداره الكاملة ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ
الْبَحْرَيْنِ) خلّاهما وأرسلهما متجاورين متلاصقين ، بحيث لا
يتمازجان. من : مرج دابّته إذا خلّاها.
(هذا عَذْبٌ) طيّب ذو حلاوة (فُراتٌ) قامع للعطش من فرط عذوبته ، فإنّ أصله القمع (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) بليغ الملوحة.
(وَجَعَلَ بَيْنَهُما
بَرْزَخاً) حاجزا من قدرته ، كقوله تعالى : (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)[١] وهو قدرته (وَحِجْراً مَحْجُوراً) وتنافرا بعيدا ، كأنّ كلّا منهما يقوله للآخر ما يقوله
المتعوّذ للمتعوّذ عنه. وهي هاهنا واقعة على سبيل المجاز ، كما قال : (لا يَبْغِيانِ)[٢] أي : لا يبغي أحدهما على صاحبه بالممازجة. فانتفاء
البغي ثمّة كالتعوّذ هاهنا. فجعل كلّ واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه ، فهو
يتعوّذ منه. وهي من أحسن الاستعارات ، وأشهدها على البلاغة.
وقيل : معناه :
حدّا محدودا. وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقّه ، فتجري في خلاله فراسخ لا يتغيّر
طعمها.
وقيل : المراد
بالبحر العذاب النهر العظيم مثل النيل ، وبالبحر الملح البحر الكبير ، وبالبرزخ ما
يحول بينهما من الأرض ، فتكون القدرة في الفصل واختلاف الصفة ، مع أنّ