أتى الأوّلون بالآيات ، لأنّ إرسال الرسل متضمّن للإتيان بالآيات. ألا ترى
أنّه لا فرق بين أن تقول : أرسل محمّد ، وبين قولك : أتى محمد بالمعجزة.
ثمّ بيّن علّة
عدم إيتاء الآيات المقترحة بقوله : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ
مِنْ قَرْيَةٍ) من أهل قرية (أَهْلَكْناها) باقتراح الآيات لمّا جاءتهم (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) لو جئتهم بها وهم أعتى منهم.
وفيه تنبيه على
أنّ عدم الإتيان بالمقترح للإبقاء عليهم ، إذ لو أتى به ولم يؤمنوا استوجبوا عذاب
الاستئصال كمن قبلهم ، وقد حكم سبحانه في هذه الأمّة أن لا يعذّبهم عذاب
الاستئصال.
ثمّ أجاب
سبحانه عن قولهم : (هَلْ هذا إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) بقوله : (وَما أَرْسَلْنا
قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) من بني آدم (نُوحِي إِلَيْهِمْ) قرأ حفص : نوحي بالنون (فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ) أهل الكتاب ، فإنّ الذكر التوراة والإنجيل. وقيل : هم
أهل العلم بأخبار من مضى ، سواء كانوا من أهل الكتاب أم من غيرهم (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
أمرهم أن
يستعلموا أهل الذكر حال الرسل المتقدّمة ، حتّى يعلموهم أنّ رسل الله الموحى إليهم
كانوا بشرا ، ولم يكونوا ملائكة كما اعتقدوا. والإحالة عليهم إمّا للإلزام ، فإنّ
المشركين كانوا يشاورونهم في أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل يثقون بقولهم. وأمّا لأنّ إخبار الجمّ الغفير يوجب
العلم ، وإن كانوا كفّارا.
وعن ابن زيد :
أن أهل الذكر هم أهل القرآن. يعني : العلماء بالقرآن الّذي بيّن فيه أحوال
الأنبياء وأممهم السالفة.
وروي عن عليّ عليهالسلام أنّه قال : نحن أهل الذكر. وروي ذلك عن أبي جعفر عليهالسلام.