قبله وما بعده ، فإنّ الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرّد في العصيان ،
فيدلّ على الطاعة من طريق المقابلة.
وقيل : معناه :
كثّرنا مترفيها. فيكون من باب : أمرت الشيء وآمرته فأمر ، إذا كثّرته فكثر. وفي
الحديث : «خير المال سكّة مأبورة ، ومهرة مأمورة».
والسكّة :
الطريقة المصطفّة من النخل. والمأبورة : الملقّحة. وقال الأصمعي : السكّة هاهنا
الحديدة الّتي يحرث بها ، ومأبورة مصلحة. ومعنى الحديث : خير المال كثير النتاج
والزرع. ويؤيّده قراءة يعقوب : آمرنا.
(فَفَسَقُوا فِيها) بالمعاصي. وتخصيص المترفين لأنّ غيرهم يتبعهم ، ولأنّهم
أسرع في الحماقة ، وأقدر على الفجور. (فَحَقَّ عَلَيْهَا
الْقَوْلُ) يعني : كلمة العذاب السابقة بحلوله ، أو بظهور معاصيهم
، أو بانهماكهم في المعاصي (فَدَمَّرْناها
تَدْمِيراً) فأهلكناها بإهلاك أهلها. ومثله : أمرتك فعصيتني. ويشهد
بصحّة هذا التأويل الآية المتقدّمة ، وهي قوله : (مَنِ اهْتَدى
فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) إلى قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ
حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).
ثمّ بيّن
سبحانه ما فعله من ذلك بالقرون الخالية ، فقال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا) وكثيرا أهلك (مِنَ الْقُرُونِ) بيان لـ «كم» وتمييز له (مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) يعني : عادا وثمودا وقرونا بين ذلك كثيرا. والقرن مائة
وعشرون سنة. وقيل : مائة سنة. وقيل : ثمانون. وقيل : أربعون. (وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً
بَصِيراً) يدرك بواطنها وظواهرها ، فلا يفوته شيء منها. فيعاقب
عليها. ونبّه بهذا القول على أنّ الذنوب هي أسباب الهلكة لا غير ، وأنّه عالم بها
جميعا ، فيعاقب عليها.