الأوس والخزرج ، فذكّروهم الحروب الّتي كانت بينهم في الجاهليّة ليعودوا
لمثلها.
(تَبْغُونَها عِوَجاً) تطلبون لها اعوجاجا وميلا عن الاستقامة. وهو حال من
الواو ، أي : باغين طالبين لها اعوجاجا ، بأن تلبسوا على الناس وتوهموا أنّ فيه
عوجا عن الحقّ ، بمنع النسخ في شريعة موسى ، وتغيير صفة رسول الله ، ونحوهما ، أو
بأن تحرّشوا بين المؤمنين لتختلف كلمتهم ويختلّ أمر دينهم. (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) بأنّها سبيل الله الّذي ارتضاه ، وتجدون ذلك في كتابكم
، أو أنتم عدول بين أهل دينكم ، يثقون بأقوالكم ، ويستشهدونكم في القضايا (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وعيد لهم.
ولمّا كان
المنكر في الآية الأولى كفرهم وهم يجهرون به ، ختمها بقوله : (وَاللهُ شَهِيدٌ). ولمّا كان في هذه الآية صدّهم للمؤمنين عن الإسلام ،
وكانوا يخفونه ويحتالون فيه ، قال : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ).
روي أنّ نفرا
من الأوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدّثون فمرّ بهم شاس بن قيس اليهودي ، فغاظه
تألّفهم واجتماعهم ، فأمر شابّا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكّرهم يوم بعاث ـ بالعين
المهملة ، وهو اسم حصن للأوس ـ وينشدهم بعض ما قيل فيه ، وكان الظفر في ذلك اليوم
للأوس ، ففعل فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا : السلاح السلاح ، واجتمع من
القبيلتين خلق عظيم ، فتوجّه إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه فقال : أتدعون الجاهليّة وأنا بين أظهركم بعد
إذ أكرمكم الله