من أمّك ، ولم يقبل قبلك أنثى ، وربّاك واختصّك بأنواع الكرامة ، وفرّغك
للعبادة ، وأغناك برزق الجنّة عن الكسب.
(وَطَهَّرَكِ) من الأدناس والأقذار العارضة للنساء ، من الحيض
والنفاس.
(وَاصْطَفاكِ عَلى
نِساءِ الْعالَمِينَ) ثانيا ، بأنّ أرسل إليك الملائكة ، ووهب لك عيسى من غير
أب ، ولم يكن ذلك لأحد من النساء ، وبرّأك ممّا قذفه اليهود بإنطاق الطفل ، وجعلك
وابنك آية للعالمين. ومن أنكر الكرامة لغير الأنبياء زعم أنّ ذلك إنّما كانت معجزة
زكريّا ، أو تقدمة لنبوّة عيسى ، فإنّ الإجماع ثابت على أنّه تعالى لم يستنبئ
امرأة ، لقوله : (وَما أَرْسَلْنا
قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً)[١] ، وبإجماع أهل البيت والشافعيّة يجوز ظهور الكرامة لغير
الأنبياء من أهل التقوى والصلاح.
(يا مَرْيَمُ اقْنُتِي
لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) أمرت بالصلاة في الجماعة بذكر هيآتها وأركانها ، من
القنوت والركوع والسجود ، مبالغة في المحافظة عليها. وقدّم السجود على الركوع إمّا
لكونه كذلك في شريعتهم ، أو للتنبيه على أنّ الواو لا توجب الترتيب ، أو ليقترن «اركعي»
بالراكعين ، للإيذان بأنّ من ليس في صلاتهم ركوع ليسوا مصلّين.
وقيل : المراد
بالقنوت إدامة الطاعة ، كقوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ
آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً)[٢]. وبالسجود الصلاة ، كقوله تعالى : (وَأَدْبارَ السُّجُودِ)[٣]. وبالركوع الخشوع والإخبات.