فانطلقوا إلى نهر فالقوا فيه أقلامهم ، فطفا قلم زكريّا ورسبت أقلامهم ،
فتكفّلها».
(وَأَنْبَتَها نَباتاً
حَسَناً) مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها ، أي : جعل
نشوءها نشوءا حسنا ، وربّاها تربية حسنة ، وأصلح أمرها في جميع حالاتها (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) شدّد الفاء حمزة وعاصم ، والفعل لله تعالى ، بمعنى : وضمّها
إليه ، وجعله كافلا لها وضامنا لمصالحها. وقصّروا زكريّا غير عاصم في رواية ابن
عيّاش ، وخفّف الباقون ومدّوا زكريّاء مرفوعا.
(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها
زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) قيل : إنّه بنى لها زكريّا محرابا في المسجد ، أي :
الغرفة الّتي بنيت لها يصعد إليها بسلّم كباب الكعبة. وقيل : أشرف مواضعه ومقدّمها
، سمّي به لأنّه محلّ محاربة الشيطان ، كأنّها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) جواب «كلّما» وناصبه.
وروي أنّه كان
لا يدخل عليها غيره ، وإذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب ، فكان يجد عندها فاكهة
الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء.
(قالَ يا مَرْيَمُ
أَنَّى لَكِ هذا) من أين هذا الرزق الآتي في غير أوانه ، والأبواب مغلقة
عليك؟ وهو دليل على جواز الكرامة للأولياء. وجعل ذلك معجزة زكريّا يدفعه اشتباه
الأمر عليه.
(قالَتْ هُوَ مِنْ
عِنْدِ اللهِ) فلا تستبعده. قيل : تكلّمت صغيرة كعيسى ، ولم ترضع ثديا
قطّ ، وكان رزقها ينزل عليها من الجنّة (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ
مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) بغير تقدير ، لكثرته ، أو بغير استحقاق ، تفضّلا منه
بغير محاسبة ومجازاة على عمل. وهو يحتمل أن يكون من كلامها ، وأن يكون من كلام
الله تعالى.
روي صاحب
الكشّاف [١] وغيره من المفسّرين المخالفين والمنافقين أنّ