(مُحَرَّراً) معتقا لخدمته ، لا يد لي عليه ، ولا أستخدمه ، ولا
أشغله بشيء ، أو مخلصا للعبادة. ونصبه على الحال.
روي عن الصادق عليهالسلام : «أنّ الله عزوجل أوحى إلى عمران أنّي واهب لك ولدا مباركا يبرئ الأكمه
والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، فحملت حنّة ، فقالت : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي
مُحَرَّراً)».
(فَتَقَبَّلْ مِنِّي) ما نذرته قبول رضا (إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ) بما أقول (الْعَلِيمُ) بما أنوي.
(فَلَمَّا وَضَعَتْها) وكانت ترجو أن يكون غلاما ، خجلت واستحيت منكّسة الرأس (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها) حال كونها (أُنْثى) الضمير لما في بطنها ، وتأنيثه لأنّه كان أنثى.
فإن قلت : كيف
جاز انتصاب «أنثى» حالا من الضمير في «وضعتها» وهو كقولك : وضعت الأنثى أنثى؟
قلت : الأصل :
وضعته أنثى ، وإنّما أنث لأنّ تأنيثها علم من الحال ، فإنّ الحال وصاحبها بالذات
واحد ، أو على تأويل مؤنّث ، كالنفس والحبلة. وإنّما قالته تحسّرا وتحزّنا إلى
ربّها ، لأنّها كانت ترجو أن تلد ذكرا ، ولذلك نذرت تحريره.
وقال الله
تعالى في جوابها : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما
وَضَعَتْ) أي : بالشيء الّذي وضعته. وهو استئناف من الله تعالى ،
تعظيما لموضوعها ، وتجهيلا لها بشأنها. وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب : وضعت
، على أنّه من كلامها تسلية لنفسها. ورويت هذه الرواية عن عليّ عليهالسلام ، أي : ولعلّ هذه الأنثى خير من الذكر تسلية.
(وَلَيْسَ الذَّكَرُ
كَالْأُنْثى) بيان لقوله : «والله أعلم» أي : وليس الذكر الّذي طلبت
كالأنثى الّتي وهبت. واللام فيهما للعهد. ويجوز أن يكون من قولها بمعنى :