ضمّن معنى ، أقرّ واعترف. ويجوز أن يكون من قياس : فعلته فأفعل ، فيكون «آمن»
بمعنى : صار ذا أمن في نفسه بإظهار التصديق.
وحقيقة الإيمان
في الشرع هو التصديق والاعتراف بما علم بالضرورة أنّه من دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من المعرفة بالله وصفاته وبرسله وبجميع ما جاءت به
رسله ، ومن ذلك البعث والجزاء وغيرهما من أحوال المعاد. فمن أخلّ بالاعتقاد وحده
فمنافق ، ومن أخلّ بالإقرار فكافر. والعمل لا يكون جزء الإيمان على الأصحّ ، فمن
أخلّ به فهو مؤمن فاسق.
والغيب مصدر
وصف به للمبالغة ، كالشهادة في قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهادَةِ)[١].
والمراد به
الخفيّ الّذي لا يدركه الحسّ ، ولا يقتضيه بديهة العقل. وهو قسمان : قسم لا دليل
عليه ، وهو المعنيّ بقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ
الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ)[٢]. وقسم نصب عليه دليل ، كالصانع وصفاته واليوم الآخر
وأحواله ، وهو المراد به في الآية.
هذا إذا جعلته
صلة للإيمان وأوقعته موقع المفعول. وإن جعلته حالا على تقدير : ملتبسين بالغيب ،
كان بمعنى الغيبة والخفاء. والمعنى : أنّهم يؤمنون غائبين عنكم ، لا كالمنافقين
الّذين إذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا ، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا
معكم.
وقيل : المراد
بالغيب القلب. والمعنى : يؤمنون بقلوبهم ، لا كمن يقولون بأفواههم ما ليس في
قلوبهم.
فالباء على
الأوّل للتعدية ، وعلى الثاني للمصاحبة ، وعلى الثالث للآلة.