والصدّيقين والشهداء والصالحين ، وهم الّذين ذكرهم الله تعالى في قوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ
مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ)[١] فيكون ذلك شهادة لصراطهم بالاستقامة على آكد الوجوه ،
كما تقول : هل أدلّك على أكرم الناس فلان؟ فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم من قولك
: هل أدلّك على فلان الأكرم؟ لأنّك بيّنت كرمه مجملا أوّلا ، ومفصّلا ثانيا ،
وأوقعت فلانا تفسيرا للأكرم فجعلته علما في الكرم ، فكأنّك قلت : من أراد رجلا
جامعا للكرم فعليه بفلان ، فهو المعيّن لذلك لا غير.
وأطلق الإنعام
ليشمل كلّ إنعام. والإنعام : إيصال النعمة ، وهي في الأصل الحالة الّتي يستلذّها
الإنسان ، فأطلقت لما يستلذّه من النعمة.
وقرأ حمزة «عليهم»
بضمّ الهاء وإسكان الميم ، نظرا إلى أصله المفرد وهو «هم». وكذلك : لديهم ،
وإليهم. وقرأ يعقوب بضمّ كلّ هاء قبلها ياء ساكنة ، في التثنية والجمع المذكّر
والمؤنّث ، نحو : عليهما ، وفيهما ، وعليهم ، وفيهم ، وعليهنّ ، وفيهنّ. وقرأ
الباقون «عليهم» وأخواتها بالكسر أمنا من اللبس. وأهل الحجاز وصلوا الميم انضمّت
الهاء قبلها أو انكسرت.
ونعم الله ـ وإن
كانت لا تحصى ، كما قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا
نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها)[٢] ـ تنحصر في جنسين : دنيويّ ، وأخرويّ.
والأوّل قسمان
: موهبي ، وكسبي. والموهبي قسمان : روحانيّ ، كنفخ الروح فيه ، وإشراقه بالعقل وما
يتبعه من القوى كالفهم والفكر والنطق. وجسمانيّ ، كتخليق البدن والقوى الحالّة فيه
، والهيئات العارضة له من الصحّة وكمال الأعضاء. والكسبيّ كتزكية النفس عن الرذائل
، وتحليتها بالأخلاق الحسنة ، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة ، وحصول الجاه
والمال.