الكفرة. والفسق إذا استعمل في نوع من المعاصي وقع على أعظم ذلك النوع من
كفر وغيره ، فإن كان في الكفر فهو أعظم الكفر ، وإن كان فيما دون الكفر فهو أعظم
المعاصي ، كأنّه متجاوز عن حدّه. واللام للجنس. والأولى أن تكون إشارة إلى أهل
الكتاب.
(أَوَكُلَّما عاهَدُوا
عَهْداً) الهمزة للإنكار ، والواو للعطف على محذوف ، تقديره :
أكفروا بالآيات وكلّما عاهدوا عهدا؟ أراد به العهد الّذي أخذه الأنبياء على أممهم
أن يؤمنوا ويطيعوا الأوامر الإلهيّة (نَبَذَهُ فَرِيقٌ
مِنْهُمْ) نقضه. وأصل النبذ الطرح والرفض ، لكنّه يغلب فيما ينسى.
وإنّما قال : «فريق» لأنّ بعضهم لم ينقض.
(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ) بالتوراة ، وليسوا من الدين في شيء ، فلا يبالون بنقض
الميثاق ، ولا يعدّونه ذنبا ، ولهذا كانت اليهود موسومين بالغدر ونقض العهود ، وكم
أخذ الله الميثاق منهم ومن آبائهم فنقضوا ، وكم عاهدوا لرسول الله فلم يفوا ،
فينقضون عهدهم في كلّ مرّة. وهذا ردّ لما يتوهّم أنّ الفريق هم الأقلّون ، أو أنّ
من لم ينبذ جهارا فهم يؤمنون به خفاء.
(وَلَمَّا جاءَهُمْ
رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) كعيسى ومحمد (نَبَذَ فَرِيقٌ) ترك وألقى طائفة (مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ) يعني التوراة ، لأنّ كفرهم بالرسول المصدّق لها كفر بها
فيما يصدّقه ، ونبذ لما فيها من وجوب الإيمان بالرسل المؤيّدين بالآيات. وقيل :
القرآن.
وقوله : (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) مثّل لإعراضهم عنه رأسا بالإعراض عمّا يرمى به وراء
الظهر ، لعدم الالتفات إليه.
(كَأَنَّهُمْ لا
يَعْلَمُونَ) أنّه كتاب الله ، يعني : أنّ علمهم به راسخ ، ولكن
يتجاهلون عنادا. قال الشعبي : هو بين أيديهم يقرءونه ، ولكن نبذوا العمل به. وقال
سفيان بن عيينة : أدرجوه في الحرير والديباج ، وحلّوه بالذهب والفضّة ، ولم يحلّوا
حلاله ، ولم يحرّموا حرامه. فالنبذ بهذا المعنى.
وهاتان الآيتان
دالّتان على أنّ معظم اليهود أربع فرق :