يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيى فيخبرهم بقاتله ، كما أخبر الله سبحانه
بذلك وقال :
(وَإِذْ قالَ مُوسى
لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) أوّل هذه القصّة قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ
فِيها)[١] ، وإنّما قدّمت عليه لاستقلال ما فيها بنوع من مساويهم
، وهو الاستهزاء بالأمر ، والاستقصاء في السّؤال بترك المسارعة إلى الامتثال.
والحاصل : أنّ
كلّ واحدة من هاتين القصّتين مستقلّة بنوع من التقريع ، وإن كانتا متّصلتين
متّحدتين. فالأولى : لتقريعهم على الاستهزاء ، وترك المسارعة إلى الامتثال ، وما
يتبع ذلك. والثانية : للتقريع على قتل النفس المحرّمة ، وما يتبعه من الآية
العظيمة. فلو عمل على عكسه لكانت قصّة واحدة ، ولذهب الغرض في تثنية التقريع.
(قالُوا) في جواب موسى (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) أتجعلنا مكان هزؤ ، أو أهله ، أو مهزوء بنا ، أو الهزء نفسه ، لفرط
الاستهزاء ، استبعادا لما قاله واستخفافا به. وإنّما احتاج الكلام إلى هذا التأويل
لأنّ مفعولي «اتخذ» في الأصل مبتدأ أو خبر ، والاتّحاد بينهما واجب.
وقرأ حمزة عن
نافع بالسكون ، وحفص عن عاصم بالضّمّ وقلب الهمزة واوا ، مثل كفؤا وكفوا.
(قالَ أَعُوذُ بِاللهِ
أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) لأنّ الهزؤ في مثل ذلك جهل وسفه ، نفى عن نفسه ما رمي
به على طريقة البرهان ، وأخرج ذلك في صورة الاستعاذة استفظاعا له.
(قالُوا ادْعُ لَنا
رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) المراد ما حالها وصفتها؟ لا حقيقتها.